الخميس، 8 يناير 2015

الأمن القضائي و التنمية


من إنجاز الطلبة
- محمد بوديع
- أحمد فاروق
- العربي لطفي

ماستر العلوم و المهن الجنائية بكلية الحقوق سلا




مقــــدمـــة


لقد أوضحت التجربة وبينت جليا أن مصلحة الأفراد والجماعات لا تكمن فقط في سن القوانين أو النصوص التنظيمية للقول بوجوب الانصياع لها وفرض تطبيقها بتبرير وجود دولة الحق والقانون، بل إن الأمر يتعدى ذلك ويتطلب بالإضافة إلى النصوص التشريعية والتنظيمية المحكمة والمستجيبة للمصالح الاجتماعية والاقتصادية تحقيق ما يسمى بالأمن القضائي .
هذا الاخير يتجلى في توفير الاطمئنان للمتقاضين لدى المؤسسة القضائية، وهذا لا يتأتى إلا بالرقي بمستوى الخدمات التي يؤديها من خلال جودة الأداء واستقرار الاجتهاد والعمل القضائيين بما يتوازن وروح التشريع وتحقيق العدل بين مكونات المجتمع، ولا يختلف لديه في ذلك الأفراد أو الجماعات والأشخاص المعنوية أو الإدارة والمؤسسات العمومية، إذ أن الأمن القضائي يعتبر حقيقة ملاذا للكل لدرء تعسف البعض وطغيانه

كما أثبتت التجارب الإنسانية العالمية أنه مهما وضعت النصوص القانونية الملائمة فإنها تبقى دائما قاصرة عن إيجاد الحلول لكل النوازل والقضايا، لأنها تبقى أولا من صنع البشر المتسم بطبيعته بالنقص، ولأنها - أي النصوص- تتناهى باعتبار عددها، علما أن الوقائع لا تتناهى من حيث دلالاتها فيبقى الملاذ إذن هو القضاء لتدبر هاته الوقائع اللامتناهية والاجتهاد الخلاق في إيجاد حلول لها.

وعليه فانه لتوفير الأمن القضائي ينبغي تأهيل مهنييه، كما جاء في خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش والذي جاء فيه " يتعين على الجميع التجند لتحقيق إصلاح شمولي للقضاء لتعزيز استقلاله الذي نحن له ضامنون، هدفنا ترسيخ الثقة في العدالة وضمان الأمن القضائي الذي يمر عبر الأهلية المهنية والنزاهة والاستقامة وسيلتنا صيانة حرمة القضاء وأخلاقياته ومواصلة تحديثه وتأهيله..." 

وبالتالي فان الامن القضائي يعتبر احدى الوظائف الاساسية للدولة، هذا الاخير له دور فعال في حماية الحقوق واستقرار المعاملات والتحفيز على الاستثمار من اجل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث اولى المشرع المغربي عناية خاصة للجهاز القضائي، وذلك بجعله كسلطة مستقلة عن السلطة التشريعية والتنفيذية ، والتي تعتبر من اولى الخطوات لتحقيق الامن القضائي .
إذا كان تاريخ المغرب قد أفرد للقضاء مكانة هامة ومحورية في ترسيخ وحدة الدولة والحفاظ على مقوماتها، وذلك بوجود سلطة قضائية مستقلة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني ودلالات، يكون هدفها خدمة المواطن وحماية حقوقه وحرياته وأمنه القضائي والتطبيق العادل للقانون . 
حيث أصبحت حقوقا دستورية لفائدة المواطن والتزاما يقع على عاتق القضاء أداؤه وتنفيذه على أحسن وجه، وفي هذا السياق فإن أهمية المرحلة التي يعرفها المغرب بعدما أصبحت الوثيقة الدستورية الجديدة سارية المفعول بعد استنفاد كافة الآليات القانونية والديمقراطية وإتباع منهج تشاركي تشاوري سواء في اقتراحها أو إعدادها أو بلورتها ومن ثم نشرها في الجريدة الرسمية، تفرض علينا الآن إنزالها إلى أرض الواقع وتفعيلها ليحس المواطن والمتقاضي بآثارها الملموسة على أمنه القضائي. هذا التفعيل الإيجابي يقتضي منا تحليل الموضوع من كافة جوانبه المتشعبة ومناهجه المتنوعة، إذ يحمل أبعادا قانونية وحقوقية واقتصادية واجتماعية ودينية وأخلاقية وسياسية، ويكتسي أبعادا وطنية ودولية ويطرح الكثير من المقاربات والمداخل ويفرض الكثير من التساؤلات والتصورات.

والحقيقة ان موضوع الامن القضائي هو من المواضيع التي تحتفظ براهنيتها الممتدة في الزمن المستقبل، فهو مقياس اصيل في بناء دولة الحق والقانون وسيادة ثقافة حقوق الانسان والحكامة الجيدة في تدبير الشان العام عموما والشان القضائي على وجه الخصوص، سيما وان معدل الثقة في القانون وفي جهاز العدالة اصبح يتراجع يوما بعد يوم وهو ما اثر سلبا على فرص الاستثمار الاجنبي ببلادنا باعتباره المعول عليه من اجل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة . كل هذا يدفعنا الى التساؤل الى أي حد يلعب الامن القضائي دوره في تحقيق التنمية؟
للإجابة على هذا الإشكال سوف تعتمد على المنهجية التالية




المبحث الأول: دور القضاء في توفير الأمن.

المبحث الثاني: دور الأمن القضائي في تحقيق التنمية


المبحث الأول: دور القضاء في توفير الأمن

إن للقضاء تأثير كبير على الأمن القضائي، فبقدر ما يكون ناجعا و متطورا بقدر ما يوفر ثقة كبيرة للمجتمع فيه و للفرد في اللجوء إليه لكي يسترد له حقوقه، و تتجلى نجاعة القضاء في مدى استقلاله و تحديثه، لكن من جهة أخرى نرى بأن اجتهاد القاضي في عمله يعطي صورة مباشرة للمتقاضي لمعرفة مدا نزاهته و حياده، لذلك سنحاول أن نتناول في هذا المبحث دور استقلال القضاء و تحديثه ( المطلب الأول) و دور الاجتهاد القضائي في تحقيق الأمن (المطلب الثاني)


المطلب الأول: دور استقلال القضاء و تحديثه في تحقيق الأمن القضائي

يعتبر مبدأ استقلال القضاء من الضمانات الأساسية للمحاكمة العادلة، و معنى ذلك أن تصدر الأحكام عن سلطة قضائية مستقلة و محايدة و مشكلة بحكم القانون، و بالتالي فهو يعتبر رهانا قويا لتوفير أمن قضائي بجودة عالية للمترفقين - أي المترددين على مرفق القضاء -، و استقلال القضاء هو مبدأ دستوري و عالمي عملت جل الدساتير على الاخذ به.
كل هذا يدفعنا الى مناقشة دور استقلال السلطة القضائية في توفير الأمن ( الفقرة الأولى) و مسألة استقلال القاضي و نزاهته و دورهما في تحقيق الأمن القضائي ( الفقرة الثانية).



الفقرة الأولى: دور استقلال السلطة القضائية في توفير الأمن


يعتبر استقلال السلطة القضائية مبدءا عالميا نصت عليه مختلف الإتفاقيات و المواثيق الدولية، ووضعت له مبادئ، و المغرب بدوره تماشى مع السير العالمي لتكريس هذا المبدأ، حيث يقصد به - مبدأ استقلال السلطة القضائية -، استقلال القضاء عن السلطتين التشريعية و التنفيذية، و يعتبر هذا المبدأ من النقط الفاصلة و المساهمة في إحساس الفرد و المجتمع بالثقة أثناء اللجوء إليه، لذلك جاء الدستور الجديد ليكرسه بقوة، من خلال الفصل 107 منه.
لذلك يعتبر أي تدخل في أعمالها يشكل مساسا باستقلالها وفعلا معاقبا عليه، ومنع القضاة وهم يمارسون مهامهم من تلقي أي أوامر أو تعليمات ومن الخضوع لأي ضغوط كيفما كان شكلها أو مصدرها، وألزمهم بإحالة كل تهديد لاستقلالهم على المجلس الأعلى للسلطة القضائية تحت طائلة المساءلة والعقاب.
فترسيخا لمبدأ الاستقلال تم إذن إحداث مؤسسة المجلس الأعلى للسلطة القضائية بتركيبة ووظائف جديدة مع فك ارتباطها إداريا وماليا عن وزارة العدل، انسجاما مع المعايير والمواثيق الدولية بخصوص استقلال السلطة القضائية التي تفرض على الدولة أن تكفل استقلال السلطة القضائية مؤسساتيا وماليا عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتلزم القضاء بالبت في القضايا المعروضة عليه وفقا للقانون دون تحيز وبعيدا عن أي قيود أو ضغوط أو تهديدات أو تدخلات.
و المقصود باستقلال السلطة القضائية ليس فقط قضاة الأحكام بل المقصود حتى قضاة النيابة العامة، بحيث أن المشرع الدستوري أوكل لقضاة النيابة العامة السهر على التطبيق السليم للقانون ترسيخا للعدالة وحقوق الإنسان والحريات الأساسية للأفراد.

علما ان إحساس المجتمع بالثقة في المؤسسة القضائية رهين بإصلاحها و إبعادها عن أي تدخل خارجي الذي يمكن أن يضر بحقوق الناس و حرياتهم، و بالتالي فإن ذلك لن يتأتى إلا بإرادة حقيقة وواعية بأن استقلال السلطة القضائية هو من بين الخطوات لبناء دولة الحق و القانون و توفير الأمن القضائي.



الفقرة الثانية: تحديث القضاء وتطويره لتوفير الأمن


يعتبر تحديث القضاء و تطويره إحدى أهم أوراش الإصلاح القضائي، فمن خلال الدراسات الأخيرة في الموضوع تبين أن المؤسسة القضائية لا ترقى إلى المستوى المطلوب، و بالتالي فهو يعيق رحى التنمية الاقتصادية و الاجتماعية.

وعليه فإن جودة و فعالية العمل القضائي رهينة بنوعية الوسائل و المناهج المتبعة من قبل القاضي، و من بين هذه الوسائل المواد القانونية التي يعتمدها في الفصل في القضايا، و بالتالي فإن الأمن القضائي لن يتأتى إلا باستعمال المادة القضائية بطريقة سليمة.

ومهما يكن من امر، فان مهمة القضاء هي السهر على التطبيق السليم للقانون، لدى فهو ينقل القاعدة القانونية من حالة السكون إلى الحركة ، لكن هذا التطبيق المنشود رهين بسلامة الترسان القانونية، و من خلال اطلاعنا على القواعد القانونية المغربية، نجد أن المغرب يمشي في الإتجاه الصحيح لتوفير الأمن القضائي.

فلكي يمنح المشرع قضاء فعالا وذا جودة عالية، عمل - المشرع المغربي- على إدخال مجموع من التعديلات على القوانين، تتعلق هذه الأخيرة بقانون الشركات و مدونة التجارة ومدونة التأمينات و قانون حرية الأسعار و، مدونة الأسرة، و مدونة الشغل، و المساطر الجنائية و المدنية، و القانون الجنائي و المدني، و غيرها من القوانين.

أما على المستوى العمودي للقضاء، فقد سهر المشرع على اعتماد مبدأ التخصص في الفصل في القضايا، فقد تم إحداث محاكم إدارية و تجارية و محاكم استئناف إدارية و تجارية، و أقسام لقضاء الأسرة وقضاء القرب.

كذلك، لمواجهة ظاهرة البطء التي يسير بها العمل القضائي، أدخلت و زارة العدل نظام المعلوميات لمختلف المحاكم قصد الإنفتاح على قضاء العالم و القوانين المقارنة، كل ذلك من أجل مواكبة المرحلة و تحديث الآلة القانونية للقاضي لكي يوظفها في عمله، تحقيقا للأمن القضائي المنشود و بالجودة المطلوبة.
 
المطلب الثاني : ظاهرة تحولات الاجتهاد القضائي و انعكاسها على الأمن القضائي

تأسيسا على الدستور الجديد الذي شكل طفرة نوعية في مجال حقوق الإنسان، بتكريسه للحق في الأمن القضائي ، بخلاف التشريع المقارن فالدستور الفرنسي الحالي لا يشير مطلقا إلى الحق في الأمن القانوني أو القضائي، مما دفع المجلس الدستوري إلى رفض اعتبار الأمن القانوني مبدأ دستوريا قائم الذات، و إنما اعتبره مجرد معيار ضمني لمراقبة دستورية القوانين. 
و بالرجوع للدستور المغربي نجد الفصل 110 من الدستور نص على أنه "لا يلزم قضاة الأحكام إلا بتطبيق القانون ولا تصدر أحكام القضاء إلا على أساس التطبيق العادل للقانون" .
فإن تطبيق مبدأ دولة الحق و القانون يفرض على المجتمعات أن تضمن الاستقرار و عدم التراجع عن القواعد التي تم الاعتراف بها داخلها، وهو أمر ينطبق على جميع مؤسساتها بما فيها القضاء. فاعتماد تفسير موحد للقانون من طرف القضاة هو عنصر من عناصر استتباب الأمن داخل الدولة، فبفضله يمكن للمتقاضين توقع نتيجة أفعالهم، بمنأى عن كل تعسف. 
حيث يستشف أن ظاهرة التحولات الطارئة على الاجتهاد القضائي تعتبر جزءا لا يتجزأ من حياة القضاء، وعلامة على تلاؤمه مع الواقع وعدم تخلفه عن ركب التطور، إلا أنها تشكل خطرا حقيقيا على الأمن القضائي. وانطلاقا مما أشرنا إليه سنحاول إبراز مدى تأثير السلبي لتحولات الاجتهاد القضائي على الأمن القضائي (الفقرة الأولى) ثم السبيل لمعالجة هذا التأثير(الفقرة الثانية ) .



الفقرة الأولى : مدى تأثير السلبي لظاهرة تحولات الاجتهاد القضائي على ضمان الأمنالقضائي


من المؤكد أن تحولات الاجتهاد القضائي بصرف النظر عن مسبباتها و شرعيتها من شأنها أن تخلق جوا من الاضطراب و عدم الاستقرار، و عدم الشفافية في تطبيق القاعدة القانونية، كما أنها تجهز على الثقة المشروعة للمواطن، و التي تولدت لديه في سياق استتباب الأوضاع القانونية التي أجرى تصرفاته في ظلها، و الأخطر من ذلك أنها قد تسطو في غفلة منه ودون توقعه على حقوقه المكتسبة في ظل الاجتهاد السابق
.
فالاجتهاد القضائي الجديد يطبق بقوة القانون و بأثر رجعي على جميع ما كان بإمكان الأشخاص القيام به أو الامتناع عنه استنادا لنص و روح الاجتهاد القضائي القديم
.
و حتى مع اعتبار أن القرار القضائي موضوع الاجتهاد الجديد دعوى لا يهم سوى أطرافه وفق مبدأ نسبية الأحكام، فإن رجعية الاجتهاد القضائي تشمل الجميع، أطراف الدعوى أو غيرهم، ذلك أن مفعول الاجتهاد القضائي الجديد يسري عليهم بشكل غير مباشر و يخالف توقعاتهم ومبادراتهم، بل إنهم قد يتعرضون للجزاء دون تنبيه أو إخطار من أجل فعل أو امتناع لم يكن غير شرعي وقت اقترافه.

حيث أن قواعد الاجتهاد القضائي الثابتة و المستقرة تمنح الفاعلين مع مرور الوقت رؤية واضحة و إطار لتصرفاتهم، بينما تحولات الاجتهاد القضائي ورجعيته تؤثر سلبا على هذا النظام . 
وقد عبر الفقه بقوله أن" تحول الاجتهاد يترتب عنه عدم الأمن القانوني، فالحل الجديد الناتج عن التحول يطبق بقوة القانون على القضايا التي ارتبطت على ضوء الثقة في الحل القديم " .
و يمكن القول أن المشرع عندما وضع مبدأ عدم رجعية القوانين لم يضع مبدأ لعدم رجعية الاجتهاد القضائي، ربما يمكن تبرير ذلك أنه لم يكن واعيا حينها للاجتهاد القضائي من قيمة قانونية و ما لتحوله من أثر على الأوضاع القانونية
.
ولإبراز أهمية تحولات الاجتهاد على المراكز القانونية للخصوم في الدعوى و إطارها القانوني سنورد بعض النماذج من العمل القضائي
:
قرار المجلس الأعلى ،"أتاح لمن تجاوز أرضه إلى أرض غيره ولو كانت عقارا محفظا وبنى فيها بحسن نية أن يمتلك هذا البناء استنادا لحكم المحكمة التي يحق لها في إطار تطبيقها للقاعدة الفقهية بإزالة الضرر أن توازن بين الضررين اللذين التقيا، وهما الضرر الذي سيحصل للباني من جراء هدم ما بناه في ملك الغير ، و الضرر الذي سيحصل للمالك بسبب تخليه دون إرادته عن جزء من ملكه مقابل حصوله على تعويض بالقيمة، و أن تقرر تغليب أخفهما، وهو ما يفيذ ضمنيا إجبار مالك العقار على التخلي عن ملكه بمقتضى حكم نهائي، في حين أن الاجتهاد القضائي المستقر أن البناء في ملك الغير لا يخول للباني ولو كان حسن النية حق تملك البناء أو العقار الذي بني فيه "
 .
نلمس من القرار أن الأوضاع و المراكز القانونية القائمة قبل الاجتهاد القضائي يطرأ عليها بفعله و بصورة فجائية تغيير جذري و حاسم، بل الأكثر من ذلك أن تحول الاجتهاد القضائي في مجال القضاء الجنائي يمس في الصميم مبدأ شرعية الجرائم، والذي بمقتضاه يوكل للسلطة التشريعية و حدها تحديد صور السلوك المعاقب عليه
 
الفقرة الثانية : سبل معالجة التأثير السلبي لتحولات الاجتهاد على ضمان الأمن القضائي


استنادا لما أقرت محكمة النقض الفرنسية ، بقولها " إن متطلبات الأمن القانوني و حماية الثقة المشروعة المثارين من طرف الطاعن في وسيلة النقض للمنازعة في تطبيق المحكمة المطعون في قرارها لاجتهاد قضائي جديد يحد من حقه في التقاضي، ليس من شأنها تكريس حق مكسب لاجتهاد قضائي جامد وغير متحرك، والذي يبقى تطويره من صميم و ظيفة القاضي في تطبيقه للقانون ".
و رأينا أنه يمكن تبرير ذلك إلى حد ما، بما جاء في تعبير سابق، لكن يجب أن نسجل أن الاجتهاد القضائي و تحوله يطبقان بأثر رجعي، وهذه الرجعية من شأنها المساس بالأمن القانوني و القضائي و الإضرار بالحقوق المكتسبة ، و الإخلال بمبدأ المساواة أمام القانون و القضاء .
ونؤكد في هذا السياق على أن الاجتهاد القضائي لا يعتبر محايدا بالمرة، و اعتبار الاجتهاد القضائي لا يخلق القاعدة القانونية، و إنما هو مجرد تفسير بريء لها ، و أن تحولاته ماهي إلا فهم جديد لمعنى قائم في النص القانوني وقت إنشائه ، لن يحقق لنا العدالة القانونية .
وينبغي الانطلاق مما جاء به الدستور الجديد بتكريسه الحق الدستوري في الأمن القضائي، بتحقيق ضمان الأمن القضائي بالحفاظ على الأوضاع القانونية القائمة و تجنب الحكم عليها بأثر رجعي، وعند الاقتضاء وضع مقتضيات انتقالية للقاعدة الاجتهادية حتى يتمكن الشخص من ملائمة تصرفاته وفقها .

كذلك نجد أن القضاء المقارن اعتمد تقنيات متنوعة لتخفيف من حدة تحول الاجتهاد القضائي و فجائيته، ففي انجلترا توجد تقنية overruling وتقنية obiter dictum ، أما في فرنسا أبدت محكمة النقض انشغالا بالتحولات العديدة لاجتهادها و أحدثت فريق عمل للتفكير في إمكانية سن قانون انتقالي لتحولات الاجتهاد القضائي في خلق القاعدة القانونية، إلا أنه لم يوص بسنه، مالم يتم الاعتراف رسميا بدور الاجتهاد القضائي في خلق القاعدة القانونية، لكن بالمقابل أوصى بأن تعمد التشكيلات القضائية الموسعة بمحكمة النقض إلى إقرار مبادئ بهذا الشأن، وهذا ما أكدته محكمة النقض الفرنسية بتفعيلها بمقتضى قرارها الذي جاء فيه" يمكن تقييد الأثر الرجعي للقاعدة الاجتهادية إذا كان من شأنه حرمان الشخص من الحق في محاكمة عادلة طبقا لمدلول الفصل 6 من الاتفاقية الأوربية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية "، ويمكن القول هنا أن تقييد الأثر الرجعي للاجتهاد القضائي الجديد لم يأت بمناسبة تطبيق قانون وطني، وإنما أتى احتكاما لقانون دولي مما يبين محدوديته
. 
وعلى المستوى الوطني أحدث المجلس الأعلى سنة 2010 هيئة لليقظة القانونية تحت تسمية " مرصد الاجتهاد القضائي " انكبت في بداية عملها على معالجة ظاهرة تضارب الاجتهاد القضائي عن طريق التنسيق والتواصل بين الهيئات القضائية المتعددة داخله و التي بلغ عددها 27، ويعول عليه مستقبلا لرصد و دراسة باقي أوضاع الاجتهاد القضائي و تأثيره على المستويين القانوني و الاجتماعي
.
ونأمل بمثل هذا النوع من التوجهات الجديدة، و الضوابط المسطرية و غيرها من الضوابط الموضوعية التي يمكن لها التخفيف من الآثار السلبية لتحولات الاجتهاد القضائي مما يضمن حقوق الأشخاص و تحقيق الأمن القضائي
 .


المبحث الثاني: دور الأمن القضائي في تحقيق التنمية


يعتبر الأمن القضائي مجالا خصبا في تحقيق التنمية الإقتصادية و الإجتماعية، بحيث هناك مجموعة من العوامل التي كان لها دور كبير في الاستثمار و واستقطابه بدءا بالاستقرار السياسي مرورا بالانفتاح الاقتصادي، و الحقيقة أن الدول اليوم تراهن على الاستثمار من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية و الاجتماعية، و ذلك من خلال توفير مناخ ملائم يتجلى في الأمن القضائي، هذا الأخير عمل المشرع المغربي على إدخال جملة من التعديلات عليه، همت بالأساس مبدأ استقلال السلطة القضائية، مما يدفعنا إلى التساؤل عن الدور الذي قد يلعبه الأمن القضائي في مجال الإستثمار و استقطابه ( المطلب الأول) ثم دور الأمن القضائي في تحقيق التنمية الإجتماعية ( المطلب الثاني).
 
المطلب الأول: دورالأمن القضائي في تحقيق الإستثمار و استقطابه


اعتبارا إلى الدور الذي يلعبه المغرب في مجال حقوق الإنسان و ذلك بانخراطه في مجموعة الاتفاقيات و المعاهدات الدولية بمختلف أشكالها، مما ساهم في العمل على إحداث محاكم مختصة تماشيا مع القوانين الدولية ( الفقرة الأولى) وكذلك مسألة الأزمة التي يعرفها الأمن القضائي في ميدان الأعمال(الفقرة الثانية
 
الفقرة الأولى: دور المحاكم المتخصصة في جلب الإستثمار


لقد كان للمحاكم المختصة دور كبير في جلب الاستثمار، بحيث ثم إحداث محاكم إدارية و محاكم استئناف إدارية و محاكم تجارية و محاكم استئناف تجارية، و غني عن البيان أن الدور الذي أصبحت تلعبه المحاكم المختصة عموما و المحاكم التجارية على وجه الخصوص في الدفع بعجلة التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و ذلك من خلال الضمانات التي تمنحها هذه المحاكم على مستوى فض المنازعات المعروضة عليها والتي تتسم بالسرعة و الفعالية و الاحترافية، لأن مجال المال و الأعمال من الأمور التي تعرف نوع من الحركية و السرعة في التداول.
علما أن عدد المحاكم الابتدائية التجارية في المغرب هو 7 محاكم ، موزعين بين الرباط و الدار البيضاء، فاس، مراكش، طنجة، مكناس، أكادير، أما محاكم الاستئناف التجارية لم يتجاوز عددها ثلاث محاكم متواجدة في كل من الدار البيضاء، فاس، مراكش، على أن النقض في الأحكام التي تصدر من طرف هذه المحاكم يتم على مستوى الغرفة التجارية لمحكمة النقض.
و عليه، يرى جانب من الفقه أن المشرع المغربي لم يكن موفقا في التقسيم الذي خص به المحاكم التجارية، بحيث لم يكن منسجما مع عدد الجهات الاقتصادية بالمملكة، كما تم تهميش المركز على حساب الجهة على مستوى المحاكم التجارية بالدار البيضاء، و هو ما أدى إلى تمركز الاستثمار في مناطق دون أخرى كالقطب الإقتصادي ( الدار البيضاء – طنجة – أكادير) ما انعكس على التنمية الاجتماعية في المناطق المهمشة كان من نتائجها ارتفاع نسبة البطالة و ارتفاع نسبة الجريمة.

و تجدر الإشارة إلى أن المحاكم التجارية على مختلف درجاتها لا تساهم فقط في جلب الاستثمار و استقطابه، و إنما تلعب دورا مهما في تثبيته من خلال اختصاصها الأصيل في مادة صعوبة المقاولة، و إن لم تشر إليه صراحة المادة 5 من القانون المحدث للمحاكم التجارية و الخاصة بالاختصاص النوعي، علما أن العديد من المقاولات اتجهت نحو التصفية القضائية لا سيما في قطاع النسيج، سواء المقاولات الوطنية التي لم تقوى على التنافسية أو المقاولات الأجنبية التي ذهبت تبحث عن فضاءات اقتصادية واعدة و أكثر تحفيزا كما في تركيا و دول أوربا الشرقية سابقا، بعد أن حققت أرباحا استطاعت في ظل اقتصاد السوق تحويلها إلى بلدانها بكل يسر، و النتيجة هي آلاف العاطلين الجدد ينظمون إلى جيوش العاطلين من الشباب القادر عن العمل، مما أدى إلى فقد الثقة في سياسة الحكومة التي تراهن على القطاع الخاص في الرفع من مؤشر التنمية ببلادنا عن طريق الإستثمار
.
ورغم الدور الذي أصبحت تلعبه المحاكم التجارية على مستوى فض المنازعات التجارية، فإن منازعات الاستثمار لا زالت يتم فضها خارج مؤسسات القضاء بالاعتماد على التحكيم و التوفيق و المصالحة التي تشكل بدائل حقيقية لحل المنازعات خارج مؤسسات القضاء، فهل هذا يعني أن الأمن القضائي في ميدان الأعمال لا زال يعيش أزمة تكون عائقا في التنمية بالرغم من وجود محاكم تجارية مختصة؟




الفقرة الثانية : أزمة الأمن القضائي في ميدان الأعمال و كيفية تدبيرها


لقد عمل المشرع المغربي في نزاعات عقود التجارة و الاستثمار، على وضع ترسانة قانونية لفضها سواء على مستوى القضاء المغربي أو اعتماد الوسائل البديلة ، فإن نزاعات عقود التجارة الدولية و الاستثمار الأجنيي في المغرب لا زالت تعرف مجموعة من المعيقات، سواء على مستوى القانون الواجب التطبيق أو على مستوى الاختصاص القضائي
 .
ومن الأهمية بمكان أن نشير إلى أن المستثمر الأجنبي يعلل نفوره من تطبيق القانون المغربي ومن الاختصاص القضائي الوطني بضعف الأمناء القانونيين، وعدم الاطمئنان لهما بسبب تفشي ظاهرة الرشوة والبيروقراطية، وانعدام الاحترافية، هذا فضلا عن اختلاف العائلات القانونية ، وهو لذلك وبالنظر لمركزه القوي كمستثمر يفرض شروطه التي غالبا ما ترتكز على اعتبار قانون بلده سواء المسطري أو الموضوعي و الذي يكون هو الواجب التطبيق لأنه يجد في عدالة بلده من الحماية مالا يجدها في غيره
.
وفي ظل الأزمة التي خلقتها الروابط العقدية الدولية على مستوى تنازع القوانين و الاختصاص القضائي ، اهتدى الفكر البشري إلى حل النزاع خارج مؤسسة القضاء بالاعتماد مثلا على التحكيم أو الوساطة أو التوفيق
.
كل هذا إن دل على شيء فإنما يدل كما سبق بيانه على أن الروابط العقدية الدولية سواء تعلق الأمر بعقود التجارة الدولية أو عقود الاستثمار أو عقود الأحوال الشخصية التي يكون أحد أطرافها عنصر أجنبي من الصعب الحسم فيها ولو في ظل وجود قواعد قانونية من قبيل قواعد قانون الدولي الخاص، أو وجود اتفاقيات ثنائية دولية خاصة بالتعاون القضائي كما هو الحال مع فرنسا و بلجيكا، وهو ما خلق أزمة تعرف بأزمة القانون الدولي الخااص الناتجة بالأساس عن اختلاف الأنظمة القانونية عبر العالم، و هو ما أصبحت تهتم بالحد منه بعض المعاهدات الدولية ، حيث أصبحت ترتكز على التقريب بين العائلات القانونية الرومانية الجرمانية و الأنكلوسكسونية، بهدف عولمة الفكر القانوني كإحدى الآثار المباشرة لعولمة الاقتصاد الذي تتزعمه الولايات المتحدة الامريكية باعتبارها رائدة الاقتصاد الليبرالي الحديث
 .
أما على مستوى التشريع الوطني و الذي هو بدوره يعاني من غياب مقتضيات تهم التحكيم التجاري الدولي الأمر الذي كان يشكل إحدى المعيقات التي تحول دون استثمار الأجنبي ببلادنا، مما يعيق التنمية في هذا البلد، إلا أنه تم تدارك هذا الفراغ التشريعي من خلال الإضافة التي تمت على مستوى قانون المسطرة المدنية حيث أصبح تشريعنا الوطني يتضمن مقتضيات تخص التحكيم التجاري الداخلي و أخرى تعنى بالتحكيم التجاري الدولي، و يتعلق الأمر بقانون 08.05 و الذي تأثر فيه المشرع المغربي فضلا عن جده الفرنسي باتفاقية نيويورك لسنة 1958، وكذلك القانون النموذجي لتحكيم الصادر عن اليونسترال ، وكذلك بعض بنود اتفاقية تسوية منازعات الاستثمار لسنة 1965 ، مما عزز الأمن القضائي ببلادنا ليكون حافزا للمستثمر الوطني و الأجنبي من أجل الاستثمار الذي يبقى المعول عليه بالدرجة الأولى في تحقيق التنمية الاقتصادية و الاجتماعية المستدامة
.



المطلب الثاني : دور الأمن القضائي في التنمية الاجتماعية

لا طالما كانت ، ولا زالت المجتمعات تقاس تنميتها الاجتماعية اعتمادا على منظومتها القضائية بحيث كلما كانت المؤسسة القضائية مستقلة و نزيهة، كانت التنمية الاجتماعية فعالة و مستدامة، تكفي حاجيات ساكنتها، و كلما كانت المؤسسة القضائية لا تراعي و لا تحترم حقوق الأفراد، وذلك من خلال الأحكام و القرارت التي تصدرها و التي تكون مشوبة بعيب من العيوب مما ينعكس سلبا على التنمية على اعتبار أن الفرد هو أساس المجتمع، ولا يمكن تطور مجتمع بدون أفراد كما لا يمكن استمرارهم إذا لم تكن هناك تنمية، انطلاقا من الأسرة (الفقرة الأولى ) ثم مدى أثر الأمن القضائي في علاقات الشغل (الفقرة الثانية )
. 



الفقرة الأولى : دور الأمن القضائي في مجال الأسرة


ولئن كانت الأسرة هي الخلية الرئيسية التي تنشأ لنا أجيال الغد، فإن المشرع المغربي حاول قدر المستطاع أن يركز اهتمامه مؤخرا على توفير مناخ ملائم للأسرة، وذلك من خلال إحداث أقسام للأسرة تابعة للمحاكم الابتدائية بعد أن كانت تدخل ضمن الولاية العامة للمحاكم الابتدائية، حيث تزامن ذلك مع التعديل الذي عرفته مدونة الأحوال الشخصية و التي حلت محلها مدونة الأسرة، حيث تم إنشاء قضاء أسري متطور و متخصص، القصد منه حماية الأسرة المغربية، بجميع مكوناتها بما في ذلك الزوج و الزوجة و الأطفال، علما أن الأسرة تعد في صلب التنمية الاجتماعية، وعليه فإنها المستهدف الرئيسي في مجال الروابط الأسرية، بحيث لم تكن لترى النور لولا الإرادة الملكية السامية و التي كان القصد منها إعادة التوازن لأسرة المغربية، و جعلها تنخرط بكل مكوناتها في التنمية بعدما أبانت الدراسات المنجزة في الموضوع أن جزءا مهما من هذه الأسرة (المرأة) كان مهمشا وغائبا في مجال التنمية وهو ما اشتغلت عليه كتابة الدولة المكلفة بالرعاية الاجتماعية و الأسرة و الطفولة من خلال ما عرف وقتها بالخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية .



الفقرة الثانية: الامن القضائي وعلاقته بالشغل


لقد ظل الشغل ولأمد طويل يعرف نقاشا فقهيا وقضائيا نظرا لما يمتاز به من اهمية بالغة بعتباره احد اسباب خلق الثروة وسد الحاجيات بالنسبة للأجير والمشغل باعتبارهما من مكونات المجتمع، وبالنظر الى كون علاقتهما ذات طبيعة خاصة تمتاز برجحان كفة المشغل في اغلب الحالات على كفة الاجير، كان لابد من تاطير علاقتهما بنصوص قانونية تراعي خصوصيات هذه العلاقة، خاصة بعد ان تبين ان المشغلين كانو يفرضون ما شاؤوا من الشروط على الطبقة العاملة، مما دفعهم الى التكتل في تجمعات مهنية للدفاع عن حقوقهم، وكان من نتائجها تدخل الدولة منذ اواسط القرن التاسع عشر لتنظيم هذه العلاقة بموجب قواعد قانونية والمتمثلة في قانون الشغل ، من اجل توفير ارضية للعمل خالية من النزاعات والصراعات من اجل تشجيع الاستثمار والتنمية والتشغيل
.
كما ان القضاء ظل وفيا في توفير الامن القضائي لاطراف العلاقة الشغلية سيما في جانبها الفردي، علما ان حل خلافات الشغل الجماعية لها طرق تسويو اخرى تتم خارج مؤسسة القضاء بالاعتماد على المصالحة والتحكيم
.
وعليه فان القضاء لعب ولا يزال ياعب دور مهما في استقرار علاقات الشغل الفردية من خلال الرقابة التي يمارسها على سلطة المشغل الائتمارية - الاشراف والتوجيه – والتدبيرية والتاديبية، حيث تتجلى مظاهر الامن القضائي بوضوح في هذا المجال عندما يكون الاجير محقا في الاستماع اليه داخل الاجل القانوني بحضور الممثل النقابي ومندوب الاجراء ان وجدو قبل تسليمه مقرر الفصل ولو تعلق الامر بخطا جسيم، وان عدم احترام المشغل لهذه الشكلية الجوهرية والمقررة في الفصول 62 و 63 من مدونة الشغل المغربية يجعل الفصل تعسفيا يستلزم اما الحكم بالرجوع الى العمل او الحكم بالتعويض حسب ما تراه المحكمة مناسبا .
ومن مظاهر الامن القضائي كذلك في علاقات الشغل الفردية اعادة تكييف المحكمة لطبيعة العقد الذي يجمع الاجير والمشغل، ذلك ان الاجير عادة ما يدعي كون العقد هو عقد شغل محدد المدة ليس الا، وان كان القضاء اليوم في اطار التمييز بين عقد الشغل المحدد المدة وغير المحدد المدة لا يعتمد على الوصف الذي اضفاه المتعاقدان على العلاقة العقدية وانما على طبيعة العمل المنجز، علما ان العمل القضائي لا يتجسد عمليا الا بتنفيذ الاحكام القضائية بعد ان تصبح حائزة لقوة الشئ المقضي بها.

ومهما يكن من امر فان عدم الثقة في القضاء والتشكيك في عدم قدرته على توفير الامن القضائي اللازم يقاس كذلك من خلال تعثر عملية تنفيذ الاحكام والقرارات القضائية، تلك العملية التي رصدت لها وزارة العدل والحريات امكانيات هامة لتخفبف من حدتها وهي تدخل ضمن الاولويات في السياسة الاصلاحية العامة للقضاء
.



خـاتـــــمة


سيظل أمر الامن القضائي يشغل بال الرأي العام ببلادنا لكونه احدى الركائز الاساسية في المغرب، وباعتبار المغرب دولة الحق والقانون ودولة المؤسسات وذلك عبر وتطوره كسلطة مؤسساتية دستورية، تنبني عليها أسس العدالة، التي توفر الأمن والاستقرار، وتعطي الضمانة القوية لحقوق المواطنين وواجباتهم، وتقوي المؤسسات العامة والخاصة، وتوفر المناخ الملائم للازدهار الاقتصادي والاجتماعي من اجل تحقيق التنمية المنشودة التي يراهن عليها المغرب، وذلك من خلال التشجيع على الاستثمار، وجلب المشاريع، التي تفتح الآفاق الواسعة لسوق الشغل للعاملين، وتوظيف الأطر والكفاءات لحاملي الشهادات.

والقضاء وحده من يرعى حماية هذه المجالات حينما يختل توازنها الطبيعي، فيتدخل ليكون عادلا في حكمه، قويا في قراره، صائبا في نصوصه القانونية، سريعا في تنفيذ مقرراته.
إن قضاء اليوم المنفتح على كل الواجهات لم بيق هو قضاء الأمس المنغلق على نفسه. قضاء اليوم قضاء واسع، أصبحت له مسؤوليات متعددة بتعدد اختصاصاته، سواء في الميدان الجنائي، الذي كثرت شعبه أمام كثرة الجرائم المرتبطة به، والحاصلة من الأفراد، أو المؤسسات تتضخم بشكل خطير يوما بعد يوم، بتضخم الجريمة المعاصرة التي أصبحت لها مدارس متخصصة، تتطلب نوعا من المعالجة النفسية، والإنسانية لردعها أكثر من المعالجة العقابية التي أبانت كل الدراسات الجنائية العالمية عن عدم جدواها وحدها، أو في الميدان المدني، الذي هو الآخر توسعت دائرة نزاعاته، في كل المعاملات، خصوصا حينما انخرط في الالتزامات الدولية، التي صارت تتخذ أشكالا وأنماطا من الارتباطات، والتعهدات بين جنسيات مختلفة بحكم تأسيس الشركات المدنية، وتنشيط سوق العقارات، وشراء الأراضي، وما إلى ذلك من الأنشطة المواكبة لها، والتي تجري على أكثر من صعيد.

كما يواجه القضاء في الميدان التجاري قضايا شائكة محلية، ودولية بحكم النزاعات المطروحة، وبفعل المعاملات المالية، والتجارية التي أصبحت قطب الرحى في كل ميدان، حيث أضحت المحاكم التجارية، فاعلة قضائيا، محكوم عليها بالفصل السريع فيما يعرض عليها من القضايا ذات الصبغة التجارية بتعدداتها، وكثرة تشعباتها، سواء بين الأفراد، أو بين المؤسسات الوطنية ،أو ذات الجنسيات المتعددة، أو المختلطة.

ورغم أن المغرب بذل قصارى الجهد لتحديث القوانين، وتفعيل النصوص حتى يكون هناك امن قضائي بالشكل المطلوب، وذلك من خلال إحداث المحاكم المتخصصة، وقطع أشواطا بعيدة للاندماج مع القوانين الدولية، وتطبيق الإتفاقيات التي وقع عليها، فإنه رغم الترسانة القانونية في المنظومة القضائية التي يشتغل عليها، فإن آليات تطبيقها وتنفيذها غير متوفرة، لغياب من جهة الوسائل التكنولوجية، والإلكترونية التي تساعد على تحديث العمل القضائي ببلادنا، بما يضمن له السرعة، والفعالية، وهي معوقات تعطي بعد آخر لتخلف القضاء عندنا، وعدم مسايرته بعد للجيل الجديد من الإصلاحات، التي يتطلبها، وفي مقدمتها التكوين، والتكوين الصالح للقضاة، لتأهيلهم لخطة القضاء على أرضية صلبة من التخصصات، التي تقوم اليوم على عمليات مدققة لها علاقة بقوانين فنية، وتقنية تتطلب وفرة المعلومات العلمية في مجال الأعمال والاستثمار، ودنيا القروض، وعالم التجارة من بابه الواسع.

وبدون ان يكون هناك امن قضائي لا يمكن لمناخ التنمية أن ينمو، باعتباره المحرك الديناميكي الذي يضمن الحقوق، ويوفر الأمن، والأمان والاستقرار، وهذا ما يراهن عليه المغرب حالا، في إصلاح القضاء لتحقيق سرعة التنمية، ولمواجهة العولمة التي أصبحت قاب قوسين، أو أدنى ،لتحتل العالم بنظرياتها، وتطبيقاتها، التي تراعي فيها مصالحها الذاتية، وليست مصالح الشعوب المستضعفة، أو النامية، والمغرب لا يريد أن يكون بلدا تابعا لهذه العولمة، بل متبوعا، ومقتدى به، إنه إذن رهاننا جميعا من أجل الحاضر والمستقبل.




لائـــحة المراجـــع


يونس العياشي "الأمن القانوني و القضائي و أثرهما في التنمية الإقتصادية و الإجتماعية" الطبعة الأولى نونبر 2012 دار السلام الرباط
الدستور المغربي صادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 91.11.1 بتاريخ29 يوليو 2011
محمد المجدوبي الادريسي ، مجلة المجلس الأعلى، الغرفة الجنائية، عدد 8/2011
محمد عبد النباوي ، تعميم الاجتهاد القضائي مساهمة في خدمة العدالة ، سلسلة الاجتهاد القضائي ، عدد2.
عبد الإلاه برجاني "بنذ التحكيم في عقود التجارة الدولية" ، مقالة على هامش بحث ضمانات القضائية للإستثمار ، منشورة بمجلة دفاتر المجلس الأعلى عدد 6/2005.
خالد البرجاوي ، فانون الطلاق بالمغرب بين مدونة الأحوال الشخصية والجدل حول التغيير، سلسلة دليل قانون الأسرة بالمغرب ، دار القلم ، الطبعة 2001.
محمد بنحساين " شرح قانون الشغل المغربي" الطبعة الثالثة 2012، مطبعة امستيتن الرباط.
علي الصقلي " نزاعات الشغل الجماعية وطرق تسويتها السليمة في القانون المغربي والمقارن" اطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخاص، كلية الحقوق فاس، السنة الجامعية 1988/1989.
محمد الكشبور " رقابة المجلس الاعلى على محاكم الموضوع في المواد المدنية محاولة للتمييز بين الواقع والقانون" مطبعة النجاح، الطبعة الاولى 2001

الفهــــرس


مقدمة .............................................................................................1
المبحث الأول: دور القضاء في توفير الأمن .........................................................................................................3
المطلب الأول: دور استقلال القضاء و تحديثه في تحقيق الأمن القضائي .....................................................3
الفقرة الأولى: دور استقلال السلطة القضائية في توفير الأمن .......................................................................3
الفقرة الثانية: تحديث القضاء وتطويره لتوفير الأمن ....................................................................................4
المطلب الثاني : ظاهرة تحولات الاجتهاد القضائي و انعكاسها على الأمن القضائي .....................................5
الفقرة الأولى : مدى تأثير السلبي لظاهرة تحولات الاجتهاد القضائي على ضمان الأمن القضائي ................6
الفقرة الثانية : سبل معالجة التأثير السلبي لتحولات الاجتهاد على ضمان الأمن القضائي ........................7
المبحث الثاني: دور الأمن القضائي في تحقيق التنمية ...................................................................................8
المطلب الأول: دورالأمن القضائي في تحقيق الإستثمار و استقطابه ..............................................................8
الفقرة الأولى: دور المحاكم المتخصصة جلب الإستثمار .................................................................................9
الفقرة الثانية : أزمة الأمن القضائي في ميدان الأعمال و كيفية تدبيرها ......................................................10
المطلب الثاني : دور الأمن القضائي في التنمية الاجتماعية .............................................................................11
الفقرة الأولى : دور الأمن القضائي في مجال الأسرة .........................................................................................11
الفقرة الثانية: الامن القضائي وعلاقته بالشغل ..............................................................................................12
خاتمة ..................................................................................................................................................................14
لائحة المراجع ......................................................................................................................................................16
الفهرس ...............................................................................................................................................................17
 

نظرية البطلان في قانون الالتزامات والعقود المغربي.



طاهري شرف
طالب باحث في شعبة القانون الخاص
تخصص ماستر النظام الجمركي بطنجة



نظرية البطلان في قانون الالتزامات  والعقود المغربي.
 
 
تمهيـــــــــــد :
عندما يختل أحد أركان العقد المتمثلة في التراضي والمحل والسبب والشكلية في العقود الشكلية والتسليم في العقود العينية ,فان اجتماع إرادات الأطراف لا يمكن أن تنشئ التزامات[1].لأن القانون لا يسمح بذلك إلا إذا توفرت سائر الشروط التي يستلزمها الفصل الثاني من قانون الالتزامات والعقود المغربي [2].
والبطلان نظام يضع صورة من صور الجزاء, ولكنه جزاء لا يفرض على شخص من الأشخاص كما هو الحال في العقوبة أو التعويض , بل يوقع على كائن قانوني هو التصرف القانوني ,وانصباب الجزاء في البطلان على التصرف نفسه لا على شخص المتصرف نتيجة للطبيعة الخاصة التي تتميز بها القواعد التي جعل البطلان لضمان طاعتها.
وهذا الجزاء يكفل بلا شك الإلزام  بالقاعدة التي وضعها القانون للتصرف,وهو يكفله أكثر من أي نوع أخر من أنواع الجزاء,فلا تبدو معه حاجة إلى الجري وراء المسؤل عن هذه المخالفة لعقابه أو إلزامه بالتعويض لأن هذه صور للجزاء لا تحل محل عدم النفوذ في جزاء المخالفة الواقعة في إنشاء التصرف لأنها تترك أثار  هذا التصرف قائمة وتبدوا لذلك أضعف أثرا منه في مجازاة هذه المخالفة.ولذا يبدوا البطلان جزاءا طبيعيا في نطاق التصرف القانوني.[3]
وحتى نكون فكرة عامة عن نظام البطلان فإننا ارتأينا أن نتناوله في مبحثين نخصص المبحث الأول للأحكام العامة للبطلان ونتناول أثار بطلان العقد في المبحث الثاني.
 
المبحث الأول :الأحكام العامة لبطلان العقد.
يذهب الفقه إلى أن النظام القانوني لبطلان العقد الناتج عن اختلال ركن من أركان صحته,خاضع للتمييز بين البطلان المطلق والبطلان النسبي أو ما يسميه الفقه الحديث بالبطلان والقابلية للإبطال.وبعد أن نتناول في المطلب الأول ماهية نظرية البطلان بوجه عام,فإننا سنتطرق لحالات البطلان في القانون المغربي في المطلب الثاني. أمام إحجام جل التشريعات المدنية عن إعطاء تعريف لنظام البطلان ومنها قانون الالتزامات والعقود المغربي فان الفقه لم يجد بدا من تقديم بعض التعاريف منها : [[4]]url:s
التعريف الذائع في الفقه الفرنسي للبطلان وهو تعريف "أوبري ورو" له : (عدم الصحة أو عدم النفوذ الذي يلحق تصرفا لمخالفته لأمر أو نهي من القانون).أما  على مستوى الفقه العربي فنجد الفقيه المصري عبد الرزاق السنهوري يعرف مؤسسة البطلان "بأنه عدم استجماع العقد لأركانه مستوفية لشروطها".
ونظرا للانتقادات التي وجهت لهذين التعريفين السابقين فان بعض الفقه حاول تلافي النقص الذي اعترى التعريفين السابقين وعرف البطلان بأنه "جزاء مدني يلحق التصرف القانوني نتيجة لتخلف أحد أركانها أو اختلال شرط من شروط صحتها".
[[5]]url:s
الفقرة الثانية : مراتب البطلان
لقد حرص المشرع على التمييز بين نوعي البطلان ’فاستعمل لفظ العقد الباطل للدلالة على البطلان واستخدم لفظ العقد القابل للإبطال للتعبير عن الإبطال ’وقد عنون القسم الخامس من قانون الالتزامات والعقود "ببطلان الالتزامات وإبطالها" وذلك للتفرقة بين البطلان والإبطال,وهذه التفرقة بين البطلان والإبطال تفرقة حديثة, فالنظرية التقليدية في البطلان كانت تتوسع في مفهوم البطلان بحيث تجعله شاملا الإبطال,وتقسم البطلان إلى نوعين-مطلق ونسبي-.
أما النظرية الحديثة فكانت تميز بين البطلان من جهة’ أو ما كان يسمى في النظرية التقليدية بالبطلان المطلق وبين قابلية الإبطال وهو ما كان يسمى بالبطلان النسبي.
[[6]]url:s
لنتساءل في نهاية هذه الفقرة قبل التطرق للحديث عن هذه النظريات بتفصيل عن موقف المشرع المغربي من هذه النظريتين؟ يقسم الفقه التقليدي الفرنسي البطلان إلى ثلاثة أنواع تندرج في الشدة ,وهي الانعدام وهو أشدها,والبطلان المطلق ثم البطلان النسبي, وهو أقلها شدة.
  1. الانعدام, وهو جزاء تخلف ركن من أركان التصرف القانوني التي لا يتصور له وجود بدونها. كما اشترط البعض الأخر من الفقه أن يكون الركن المتخلف ركنا طبيعيا لا عنصرا قانونيا والا كان الجزاء البطلان المطلق لا الانعدام.
 
  1. البطلان المطلق, وهو النوع الثاني من أنواع البطلان في فقه التقليديين والتصرف المتصف به تصرف له كل أركانه ولكنه يصطدم بعقبة قاطعة تنتج من مخالفته للشروط التي يضعها القانون لهذه الأركان ,على صورة تجعل هذه المخالفة,وان لم تمس وجود أركانه جميعا ماسة باكتمال التصرف.
 
 
  1. البطلان النسبي, وهو جزاء مختلف يلحق بالتصرف الذي تعيبه بعض العيوب الخاصة ,كعيوب الرضا وفي غير ذلك من الأحوال التي يقضي القانون بجعلها من أحوال البطلان النسبي.والفقه يجعل البطلان المطلق هو الأصل, والبطلان النسبي استثناء عليه,ومن طبيعة البطلان النسبي أنه يترك التصرف صحيحا حتى يطلب بطلانه أي أنه يسمح رغم وجوده بوجود قانوني للتصرف ورغم أن هذا الوجود مؤقت فانه يجعل البطلان هنا أقل شدة منه في النوعين السابقين وتترتب عليه فروق كبيرة بينة وبينها.
وهكذا يمكن القول أن التصرف المنعدم يعتبر مولودا ميتا, والباطل بطلانا مطلقا مصاب بمرض قاتل ,أما الباطل نسبيا فمرضه طفيف قابل للشفاء. [[7]]url:s لقد تعرض التقسيم الثلاثي للعديد من الانتقادات ,لعل أهمها تشابه الانعدام والبطلان المطلق,فهما متساويان في العدم الذي لا تفاوت فيه مادام أن أحكام العقد المنعدم هي نفسها أحكام العقد الباطل بطلان مطلقا,حيث إنهما لا ينتجان أي أثر كما رأينا سابقا.
لهذه الاعتبارات ,فان الفقه الحديث قسم البطلان إلى درجتين فقط ,وهما البطلان والقابلية للإبطال  ,والحق يقال أن أصل هذا التصنيف هو الفقه التقليدي قبل ابتداع فكرة انعدام التصرف, بمعنى أنه نفس التقسيم الذي كان يميز بين البطلان المطلق والبطلان النسبي.
كل ما هنالك , أن النظرية الحديثة تقيم هذا التمييز بناء على المصلحة التي تم المساس بها ,فان كان الهدف هو حماية المصلحة العامة فان الجزاء هو البطلان أما إذا كانت المصلحة التي تم الماس بها عند تكوين العقد هي مصلحة شخصية لأحد أطراف العقد فان الجزاء هو القابلية للإبطال. وقد أخدت جل التشريعات بهذا التصنيف الحديث بما فيها القانون المدني المصري والقانون المدني السوري.لكن ما موقف المشرع المغربي من هاتين النظريتين.
بالرجوع إلى مدونة الالتزامات والعقود نجد المشرع المغربي فقد اعتنق هو الأخر النظرية الحديثة للبطلان حسب أغلبية الفقه المغربي وهو توجه سليم يمكن أن نستشفه من خلال عنونة المشرع للقسم الخامس من الكتاب الأول من ق ل ع "ببطلان الالتزامات وإبطالها" أي أنه أخد بالتقسيم الثنائي وهجر لتقسيم الثلاثي الذي ناد به أنصار المدرسة التقليدية في البطلان.
المطلب الثاني : حالات البطلان في قانون الالتزامات والعقود المغربي. 
إن أو تساؤل يفرض نفسه في هذا المطلب وهو متى يكون العقد باطلا؟
يكون العقد باطلا إذا انعدمت أحد أركان العقد وهي التراضي والمحل والسبب ويلحق بها الشكل في العقود الشكلية والتسليم في العقود العينية أو كان السبب او المحل غير مشروع.
[[8]]url:s
وبالرجوع إلى الفقرة الثانية من الفصل 306 من ق ل ع نجده تنص على ما يلي "يكون الالتزام باطلا بقوة القانون :
  1. إذا كان ينقصه لأحد الأركان اللازمة لقيامه,
  2. إذا قرر القانون في حالة خاصة بطلانه,
من خلال ما سبق يتضح لنا أن العقد يكون باطلا ,إذا كان ينقصه أحد الأركان اللازمة لقيامه , (الفقرة الأولى),أو في الحالات التي يقرر فيها القانون القانون بطلان العقد بمقتضى نص خاص (الفقرة الثانية).  
  1. تخلف الركن التراضي
يتحقق ذلك بالخصوص في حالة انعدام الأهلية التي تتحقق بمناسبة الصغير غير المميز –أي الذي يقل سنه 12 سنة- وأيضا في حالة الجنون وهذه الحالات تدخل ضمن ما يعرف بانعدام الأهلية.
كما أن الرضا يعتبر متخلفا عندما تكون الإرادة غير جدية, كأن يبدي الشخص رغبته في التعاقد دون أن تكون له نية التحمل بالالتزام,وفي هذا الصدد ذهب الفقيه الفرنسي بلانيول إلى أنه يتوجب لإنشاء الالتزامات أن تكون الإرادة جادة ويعتبر كأن لم يكن الاتفاق مع شخص هازل.
  1. تخلف ركن المحل وعدم مشروعيته
يكون العقد باطلا في حالة تخلف ركن المحل, سواء ونف لعدم وجوده أو كونه مستحيلا [[9]]url:s ,أو غير محدد أو معين.ونفس الحكم يطبق في حالة عدم مشروعية المحل. وكمثال على عدم مشروعية المحل يمكن أن نأخد حالة التعامل في تركة إنسان لازال على قيد الحياة ,حيث إن العقد يعتبر باطلا,لكون محله خارج عن دائرة التعامل بمقتضى نص قانوني صريح.
  1. تخلف السبب وعدم مشروعيته.
يعتبر العقد باطلا في حالة تخلف السبب تطبيقا للفصل 62 من قانون الالتزامات والعقود [[10]]url:s . وعلى هذا الأساس ذهب جانب من الفقه إلى أن حالات انعدام السبب ناذرة في الواقع ,إلا أن ذلك لا يمنع من تصور بعض الصور التي ينعدم فيها السبب كما في سند المجاملة.
  1. تخلف الشكل في العقود الشكلية والتسليم في العقود العينية.
إذا كان القانون يتطلب شكلا معينا لصحة العقد سواء تمثل في الكتابة بالنسبة للعقود الشكلية أو التسليم بالنسبة للعقود العينية, فان غياب ركن الشكلية أو التسليم يجعل العقد باطلا. [[11]]url:s إذا كان العقد يفتقد أحد الأركان الأساسية المتمثلة في الرضا والمحل والسبب والشكلية بالنسبة للعقود الشكلية والتسليم فيما يخص العقود العينية,فانه يكون باطلا غير أنه في بعض الحالات يكون العقد متوفرا على جميع تلك الأركان والعناصر ,إلا أن العقد يعد مع ذلك منعدما –أي باطلا- بمقتضى نص قانوني ,وذلك لاعتبارات تتعلق بالمنفعة العامة ,وقد نصت على هذا الحكم الفقرة الثانية من الفصل 306 من ق ل ع التي جاء فيها ".....إذا قرر القانون حالة خاصة ببطلانه".
هذا من جهة ,ومن جهة أخرى ,تنبغي الإشارة إلا أن حالات بطلان العقد بمقتضى نص قانوني واردة على سبيل المثال فقط ,لذلك فان بعضها قد يوجد في ظهير الالتزامات والعقود والبعض يوجد في نصوص قانونية خاصة.ومن أهم الحالات التي قرر فيها المشرع المغربي بطلان العقد بمقتضى نص خاص نشير إلى ما يلي 
[[12]]url:s :
  1. بطلان التعامل في تركة مستقبلة,كما يتضح لنا من الفصل 61 من ق ل ع.
 
  1. بطلان الاتفاقات التي يكون موضوعها تعليم السحر والشعوذة تطبيقا للفصل 729 من ق ل ع .
 
  1. بطلان العقد الذي يلتزم بمقتضاه شخص معين بتقديم خدماته لشخص أخر طوال حياته تطبيقا للفصلين 727 و728 من ق ل ع .
 
  1. بطلان الاشتراط الذي من شأنه إعفاء الدائن من كل مسؤولية عن الشيء المرهون حسب الفصل 1215 من مدونة الالتزامات والعقود
 
  1. بطلان كل شرط موضوعه إنقاصا أو إسقاط ضمان أجير الصنع لعيوب صنعه... وفقا لنص الفصل 772 من ق ل ع .
 
المبحث الثاني  : أثـــار بطــــــــــــــــــلان العقد.
 
من خلال عملية الربط بين الفصلين 306 و 316 من قانون الالتزامات والعقود يتبين لنا أن كلا من العقد الباطل والعقد  القابل للإبطال لا ينتجان أي أثر قانوني إلا استرداد ما دفع بغير حق تنفيذا لهذين العقدين ,غير أن هذا المبدأ قد تعترضه بعض الصعوبات المادية والقانونية التي تحول دون إرجاع الأطراف إلى وضعية ما قبل التعاقد. ولهذا ارتأيت أن أقسم هذا المبحث إلى مطلبين أخصص المطلب الأول لآثار البطلان بالنسبة للمتعاقدين والمطلب الثاني لأثار البطلان بالنسبة للأغيار.
[[13]]url:s
المطلب الأول : أثار البطلان بالنسبة للمتعاقدين.
إن العقد الباطل لا ينتج أثارا بين المتعاقدين,وليس بإمكان أحد المتعاقدين إلزام المتعاقد الأخر على تنفيذ عقد باطل.وبالبطلان يعود المتعاقدان إلى الحالة التي كان عليها قبل التعاقد ويسترد كل متعاقد ما دفعه تنفيذا لعقد باطل ,وهذا ماقضى به الفصل 306 من ق ل ع الذي أوجب "استرداد ما دفع بغير حق تنفيذا للعقد الباطل".
وإذا كانت إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد مستحيلا فيجوز للمحكمة أن تقضي للمتضرر من هذه الاستحالة بتعويض يعادل الضرر الذي لحق به.
ويستثنى من مبدأ إعادة المتعاقدين إلى الحالة السابقة للتعاقد الباطل ,العقد الذي يبرمه شخص فاقد الأهلية.فقد نصت الفقرة الثانية من الفصل 6 من هذا القانون "يبقى القاصر مع ذلك ملتزما في حدود النفع الذي استخلصه من الالتزام وذلك بمقتضى الشروط المقررة في هذا المرسوم الملكي".
فهذا القاصر لا يلزم برد سوى ما كان عليه من نفع بسبب تنفيذ العقد كمصروفات ضرورية أو نافعة مثل شراء كتب أو وفاء بدين أو تعلم حرفة.أما المصروفات الضارة كالمقامرة أو المراهنة فلا تعتبر مصروفات نافعة ولا يردها الطرف الأخر في العقد ,وإذا كان الشيء الذي حصل عليه من العقد لازال موجودا في حوزته ,فانه يعتبر من قبل النفع وذل بموجب الفصل 9 من قانون الالتزامات والعقود المغربي.
[[14]]url:s
 
المطلب الثاني  : أثار البطلان بالنسبة للغير.
إن المقصود بالغير كل الأشخاص الذين هم يكونون طرفا في العقد الباطل, واكتسبوا حقوقا على الشيء محل العقد الباطل.فأثر البطلان بالنسبة لهذا الغير هو نفسه بالنسبة للمتعاقدين, فلو أن شخصا اشترى عينا بعقد باطل ثم باعها وتقرر بعد ذلك بطلان البيع الأول فان البائع في العقد الباطل يسترد العين من المشتري.
وإذا كان هذا المشتري الثاني قد رتب على العين حقوقا فان البائع يسترد العين خالية من هذه الحقوق.
إن أهم الاستثناءات الواردة على العقد الباطل ,والتي تمنح لهذا العقد بعض الآثار,وهي حالة عقد الزواج ,وحالة تحول التصرف,وحالة اكتساب الغير حسن النية حقا عينيا على منقول أو العقار المحفظ الذي هو محل العقد الباطل.
فبالنسبة لحالة عقد الزواج الباطل, اعتبر المشرع دخول الزوج بالمرأة في النكاح الفاسد لعقده دخولا شرعيا,تستحق معه الزوجة الصداق المسمى.
وبالنسبة لحالة تحول التصرف ,فإذا بطل التصرف الذي أراده العاقدان لسبب من أسباب البطلان وكان هذا التصرف الباطل يتضمن عناصر كافية لأن يتكون منها تصرف أخر غير الذي جرى عقده,وكان الظاهر من ظروف العقد أن العاقدين لو علما بأن تصرفهما الواقع لا ينعقد لقبلا أن يعقدا بدلا منه ذلك التصرف الأخر الممكن,فان القانون يوجب في هذه الحالة اعتبار تصرفهما ,رغم بطلانه في صورة الواقعة, منشئا حكما ذلك العقد الأخر الذي توافرت عناصره وشرائطه في هذا التصرف الباطل,إعمالا للنية المفترضة لدى العاقدين,وهذا ما يسمى "بتحول التصرف".
وأما حالة اكتساب الغير حسن النية حقا عينيا على منقول أو العقار المحفظ الذي هو محل العقد الباطل,فمن القواعد الكلية التي أخد بها المشرع المغربي أن حيازة المنقول تعتبر سندل للملكية,فإذا حاز زيد منقولا بعقد باطل ورتب حقوقا على هذا العقد المنقول لمصلحة عمرو ,وكان عمرو حسن النية فبطلان العقد الذي دخل المنقول بموجبه إلى حيازة زيد لا يؤثر على حقوق عمرو,بحيث يكون الوضع بالنسبة لهذا الأخير كما لو أن العقد المذكور وقع صحيحا.
وكذلك من القواعد الكلية في التشريع العقاري المبني على نظام السجل العقاري,كما هو الحال في المغرب,أن ما يكتسب عن حسن نية حقا عينيا على عقار بالاستناد إلى قبول السجل العقاري,فان بطلان هذه القيود لا يمكن لها أثر اتجاهه.
قائــــــــــــــــــــــــــمة المـــــــــــــــــــــــــــــــراجــــــــــــــــــــــــــع
 
 
  1. عبدا لرحمان الشرقاوي,دراسة حديثة للنظرية العامة للالتزام على ضوء تأثرها بالمفاهيم الجديدة للقانون الاقتصادي,الجزء الأول التصرف القانوني ,مطبعة المعارف الجديدة-الرباط- الطبعة الثانية مزيدة ومنقحة.
 
  1. إدريس العلوي العبدلاوي ,شرح القانون المدني-نظرية العقد-,الطبعة الأولى 1996-1416.
 
  1. عبد القادر العرعاري,مصادر الالتزام ’الكتاب الأول-نظرية العقد,مطبعة الأمنية الرباط ,الطبعة الثالثة 2013.
 
  1. عبدالكريم  شهبون , الشافي في شرح قانون الالتزامات والعقود المغربي ,الكتاب الأول الالتزامات بوجه عام ,الجزء الثاني,الطبعة الأولى 1999-1419.
 
  1. عبد الواحد شعير و عبداللطيف عبيد ,النظرية العامة للالتزام –الكتاب الأول-مطبعة النجاح الدار البيضاء,الطبعة الثانية 2013.
 
  1. عبد الحق الصافي ,القانون المدني ,الجزء الأول ,المصدر الإرادي للالتزامات ’العقد,الكتاب الأول-تكوين العقد-الطبعة الأولى 2007.
 
 
 
عبد القادر العرعاري ,مرجع سابق ص 300[13]]url:s
[[14]]url:s   جاء في الفصل 9 من ق ل ع "القاصر وناقص الأهلية يلتزمان دائما بسبب تنفيذ الطرف الأخر التزامه,وذلك في حدود النفع الذي يستخلصانه من هذا التنفيذ,ويكون هناك نفع إذا انفق ناقص الأهلية الشيء الذي تسلمه في المصروفات الضرورية أو النافعة أو إذا كان هذا الشيء لازال موجودا في ماله."

LA TENDANCE BAISSIERE DES TAUX D’INTERET ET LE PROBLEME DE SURLIQUIDITE AU MAROC « PERIODE 1997-2005 »




Par TAYEB Achraf Amine « doctorant en sciences économique, Cedoc : Groupe de recherche « économie Appliquée » - Université Mohammed v Agdal-Rabat-



LA TENDANCE BAISSIERE DES TAUX D’INTERET ET LE PROBLEME DE SURLIQUIDITE  AU MAROC « PERIODE 1997-2005 »
 
Dans le but de créer un climat convenable et un champ propice à la libéralisation financière, que les autorités monétaires se sont trouvées dans l’obligation de remplacer le système du contrôle direct, caractéristique ultime d’une économie d’endettement, par un système qui tente d’orienter de plus en plus vers la régulation des liquidités de l’économie par les taux d’intérêt respectant par la philosophie de l’économie du marché. Ce taux doit jouer le rôle moteur et non d’accompagnement dans la maîtrise de l’évolution de la masse monétaire. Quant au champ d’action, il reste le marché.
 
Le contexte de l’économie marocaine pendant la période (1997-2005) s’est caractérisé par un excès de liquidité bancaire. Cette situation s’est répercutée sur le fonctionnement du marché monétaire et sur la politique monétaire conduite par Bank-Al-Maghrib. Laquelle reflète un déséquilibre persistant sur le marché du crédit.
 
La surliquidité bancaire découlait principalement de l’accroissement des avoirs extérieurs nets de Bank Al-Maghrib suite notamment à la cession de 35% du capital de Maroc Télécom  et aux importants afflux des recettes des voyages et des transferts des Marocains Résidant à l’Etranger. Aujourd’hui, avec l’encaissement des recettes de la cession de 80% de la Régie des Tabacs en juillet 2003, la question de surliquidité bancaire reste toujours d’actualité.
 
A ce niveau, quels sont les effets des surliquidités sur le niveau des taux d’intérêt ? Et quel est l’impact de la baisse des taux d’intérêt sur l’économie réelle?
 
1 Les conséquences  de la surliquidité sur le niveau des taux d’intérêt :
 
L'abondance des liquidités bancaires a influé sur le niveau des taux d’intérêt interbancaire. Par ce biais, elle a affecté, mais à des degrés divers, l’ensemble de la grille des taux d’intérêt.
 
Ainsi, le taux d’intérêt interbancaire moyen pondéré a fléchi de 244 points de base entre 2000 et 2002 pour se situer à 2,99 % en 2002. Tandis qu’en 2005, ce taux s’est établi en moyenne à 2.78 % marquant ainsi une hausse de 39 points de base par rapport à l’année précédente 2004 (2.39 %)
 
Tableau 4 : L’évolution des taux  du marché interbancaire entre 1997 et 2005
(Taux annuel en %)
  1997 1998 1999 2000 2001 2002 2003 2004 2005
TMI 6.71 6.3 5.64 5.41 4.44 2.99 3.2 2.3 2.78
 
Source : Rapports Annuels de Bank Al Maghrib
Dans ces conditions, l’orientation quoiqu’à la baisse du niveau général des taux d’intérêt a été moins nette par rapport aux années précédentes.
 
ü Les taux des bons du Trésor par adjudication ont connu une baisse continue entre  2001 et 2002, allant de 359 points de base pour les bons à 52 semaines à 95 points de base pour les bons à 10 ans. Cependant en 2005, ce taux des bons à 52 semaines a marqué une hausse de 23 points de basse.
ü Pour les taux moyens pondérés (TMP) de la rémunération des dépôts bancaires à 6 mois et à 1 an ont reculé de 119 points de base entre 2001 et 2005. Alors que durant la période 2004 – 2005, ces taux ont diminué respectivement de 10 et 31 points de base s’établissant à 3.29 % et 3.48 %.
ü S’agissant de l’évolution des taux débiteurs, le coût moyen pondéré du crédit bancaire s’est inscrit, d’année à l’autre, en recul de 25 points de base et celui des concours des sociétés de financement de 70 points de base, revenant ainsi respectivement à 7.58 % et à 11.4%.

De ce fait, les mesures prises par Bank-Al-Maghrib en 2002 ont permis de réduire les excédents de liquidités bancaires et de relever les taux du marché monétaire au cours des quatre premiers mois de 2003. Cependant, un renversement de tendance sur ce marché a été observé à partir de mai 2003 et s’est accentué en juillet 2003, en lien avec l’augmentation des avoirs extérieurs nets en devises de Bank Al-Maghrib (13 mois d’importations de marchandises hors admissions temporaires sans paiement à fin septembre 2003).

Cette situation s’est traduite par une nouvelle diminution du taux interbancaire pour se situer autour de 2,8% en août et septembre 2003, au dessous du taux directeur planché de Bank Al-Maghrib. Le marché monétaire est ainsi redevenu «hors banque» 29. Les taux de bons du Trésor par adjudication ont poursuivi leur baisse et les crédits octroyés par les banques ont progressé.

La tendance baissière de l’ensemble des taux d’intérêt n’a pas eu l’effet escompté sur le financement de l’économie. Durant la période 2000-2005, les crédits bancaires à l’économie n’ont augmenté que de 3,9% par an, soit à un rythme d’accroissement nettement plus faible que celui des dépôts de la clientèle. Cette situation résulte particulièrement de la baisse des crédits de trésorerie et des crédits à l’équipement.

Ces constats montrent que la surliquidité bancaire a été accentuée par l’attitude prudente des agents économiques, ainsi qu’en témoignent la constitution des encaisses dites oisives et la réticence des banques à réduire suffisamment les taux d’intérêt débiteurs.

 2 - Les effets de la baisse des taux d’intérêt sur l’économie réelle :

Le but de ce paragraphe est d’analyser l’impact d’une variation à la baisse du taux d’intérêt sur l’économie réelle.
En se basant sur les résultats d’une étude publiée par la Direction des Etudes et des Prévision Financière (DEPF) en 2003, on distingue les effets suivants :

Ä Effet sur la croissance, l’emploi et les prix :

Selon l’étude signalée ci-dessus, on peut avancer qu’une baisse du taux d’intérêt d’un point au Maroc soutiendrait la croissance de 0.2 point pour la première et la deuxième année et de 0.1 point la troisième année. Le taux de chômage baisserait de 0.1 point au bout d’un an et de 0.2 point au bout de 2 ans.
Par ailleurs, l’effet sur le niveau des prix serait nul et le rythme de progression de ces derniers à partir de la deuxième année serait très faible (0.1 % en moyenne par an) qui tient principalement au fait que le rythme d’accroissement de la demande intérieure serait insuffisant pour engendrer des tensions sur le système productif.

Ä L’effet sur la consommation, l’épargne, le revenu disponible des ménages et l’investissement :

L’impact au niveau des différentes composantes de la demande intérieure serait marqué par une augmentation de la consommation des ménages de 0.3 % au bout d’un an, 0.4 % au bout de 2 ans et de 0.2 % au bout de 3 ans. L’amélioration de la consommation des ménages serait soutenue par un accroissement du revenu disponible des ménages de 0.1 % la première année, ainsi que par la réduction de l’effort de l’épargne de 0.1 % et 0.2 % respectivement. Concernant l’investissement, il connaîtrait une hausse de 0.2 % au bout d’un an, de 0.3 % au bout de 2 ans et de 0.3 % au bout de trois ans.
Certes, le sens et le degré de la variabilité des différentes variables macroéconomiques à la variation négative des taux d’intérêt doivent être interprétés avec beaucoup de prudence.
En effet, le processus de libéralisation financière au Maroc est relativement récent, ce qui peut expliquer la fragilité de la relation entre la sphère financière et celle réelle.  

3 La gestion de la surliquidité :

Pour réguler le volume de liquidité bancaire et le niveau du taux d’intérêt interbancaire, Bank Al-Maghrib a utilisé plusieurs instruments.

ü Elle a procédé à des opérations d’open-market (cession en 2001 de 2,3 milliards de dirhams de son portefeuille en bons du Trésor) ;

ü Et les reprises de liquidités sont devenues le principal mode d’intervention de Bank Al-Maghrib sur le marché monétaire (l’encours quotidien moyen a atteint 2,4 milliards de dirhams en 2002). Leur taux, devenu de fait le taux directeur planché, a été ramené à 3% en septembre 2001 contre plus de 4% en début de l’année, puis à 2,5% en mai 2002. Par ailleurs, Bank Al-Maghrib a abaissé à plusieurs reprises ses taux directeurs entre mars 2001 et décembre 2002, soit au total une baisse de 225 points de base pour les avances à 5 jours et de 175 points de base pour les avances à 7 jours.

A côté de ces instruments de régulation relativement souples et ponctuels, Bank Al-Maghrib a dû utiliser un procédé de contrôle direct de la monnaie, en l’occurrence la réserve monétaire.

En effet, elle a décidé le 26 décembre 2002 de relever le coefficient de la réserve monétaire de 10% à 14%, entraînant un gel durable auprès d’elle de 6 milliards de dirhams. Cet effet restrictif sur les trésoreries bancaires a permis de remettre le marché "en banque". Les banques ont dès lors eu recours, après une longue période d’abstention (21 mois), aux avances de Bank Al-Maghrib en janvier 2003.


Face au retour de surliquidité en 2003, Bank Al-Maghrib, tout en cessant d’accorder des avances aux banques dès la mi-juillet, a opéré au début de septembre un nouveau relèvement du taux de la réserve monétaire de 14% à 16,5%. Cette opération a permis le gel de 4,5 milliards de dirhams d’excédent de liquidités. Mais, vu la persistance de la situation de surliquidité, elle a annoncé son intention de procéder, à compter du 22 septembre, à des opérations de reprise de liquidités au taux de 3,25%.

Enfin, elle a autorisé le recours à des opérations de swaps de change. Ce mécanisme, instauré pour la première fois en 1996, permet aux banques d’échanger avec Bank Al-Maghrib des dirhams contre des devises et/ou inversement et ce pour une durée limitée. Les opérations de swaps de change  effectuées les 22 et 23 octobre 2003 ont permis des ponctions de liquidité, pour respectivement 850 millions de dirhams sur une durée de 2 mois et 200 millions de dirhams sur un mois.

Globalement, la situation de surliquidité semble devenir structurelle. A cet égard, l’instauration d’une réelle concurrence entre les établissements de crédit, la réduction des créances en souffrance, notamment par une évaluation précise des risques et l’accélération de la réforme de l’appareil judiciaire, et la relance de l’investissement tant public que privé seraient de nature à permettre une  meilleure régulation de la liquidité bancaire.
 

1-On dit que le marché est hors banque lorsque le taux interbancaire devient inférieur au taux directeur planché de Bank-Al-Maghrib. Celle-ci ne peut alors agir sur la liquidité bancaire à travers les avances aux banques.

الرجوع في الهبة


جواد بوزيد

باحث بماستر القانون المدني

كلية العلوم القانونية

جامعة ابن زهر. اكادير



الرجوع في الهبة
المقدمة.

يزخر ديننا الحنيف بمجموعة من الأحكام الشرعية التي ابتغى منها الشارع الحكيم بناء دولة قادرة و متماسكة، وذلك عن طريق سنه و تشريعه لكل ما يمكن أن يساعد على خلق التضامن و التآزر بين أفراد المجتمع، بمساهمة المسلم في جميع الأعمال التطوعية وبذل الجهد في الإنفاق لما فيه الخير و الإحسان والمساعدة على مشاق الحياة و متاعبها، خاصة و أن مال المسلم ليس له ولم يكن ليكون له لولا هبة الله له.

وتعد الأعمال التبرعية المأجورة التي يحث عليها الشرع الحنيف كثيرة من أهمها الزكاة و الوقف و الصدقة وأبرزها الهبة، التي تعتبر من أهم العطايا و التبرعات، فهي تصرف شرعي نظمه التشريع الإسلامي و التقنين الوضعي فأوجد له ضوابط ومحددات من أجل حسن سيره وأدائه للدور الايجابي المنوط به والمعول عليه في المساعدة على خلق جو من التراحم و التوادد بين أفراد المجتمع.

ونجد بالرجوع إلى مدونة الحقوق العينية المغربية أن المشرع قد عرف الهبة في المادة 273 على أنها "تمليك حق عيني عقاري لوجه الموهوب له في حياة الواهب بدون عوض"،أما فقهاء المالكية فقد قاموا بتعريفها وذلك بالقول بأنها :"تمليك مشمول بغير عوض إنشاء ".

 وتطرح الهبة إشكالات عملية، خاصة الأحكام المتعلقة بالرجوع فيها أو الاعتصار -والاعتصار مصطلح مالكي صرف أبدعه المالكية دون غيرهم من المذاهب الأخرى التي تستخدم مصطلح الرجوع في الهبة-، وقد اختلفت آراء الفقه الإسلامي حول شروط الرجوع و الرجوع من الأصل ، وذلك نظرا لما يمكن أن يترتب عنه من إفساد للعلاقات وفك الأواصر بين أفراد المجتمع وعناصره المشكلة له.

ونجد أن هناك قواعد فقهية مقررة تحظى باتفاق واسع من لدن الفقهاء كما هو الشأن بالنسبة لقاعدة من اختار لا يرجع، وتعني هذه القاعدة أن التزام الشخص يجعله متحملا لكافة الآثار الناتجة عن التزامه ولا يجوز له التراجع عنه، ويتجلى أساسها الشرعي في قول الله عز وجل "ياأيها الذين أمنوا أوفوا بالعقود".[1]

و تسري هذه القاعدة على الاتفاقات الملزمة للجانبين أو الاتفاقات الصادرة عن إرادة منفردة التي يتجلى الأساس القانوني لها في الفصل 18 من ق.ل.ع الذي ينص على أن : "الالتزامات الصادرة من طرف واحد تلزم من صدرت منه بمجرد وصولها إلى علم الملتزم له"، بمعنى أنه لا يجوز له الرجوع في حالة التزامه بشكل إرادي تجاه شخص آخر .

و خروجا عن الحالات المحددة قانونا، يمكن الرجوع عن الهبة بشروط محددة، وقد تم تعريف الرجوع عن الهبة أو الاعتصار من طرف مجموعة من فقهاء المالكية من بينهم ابن عرفة الذي قال "ارتجاع المعطي عطية دون عوض لا بطوع المعطى"[2].

أما المشرع المغربي فقد عرفها في المادة 283 من مدونة الحقوق العينية بالقول " يراد بالاعتصار رجوع الواهب في هبته".

ويطرح موضوع الرجوع في الهبة إشكالية مفادها مدى توفق المشرع المغربي والفقه الاسلامي في ملائمة تقييد حق الرجوع في الهبة مع الأصل فيها الذي هو عدم الرجوع.

وتتفرع عن هذه الإشكالية أسئلة سنحاول الإجابة عنها، تتمثل في ماهي شروط الرجوع في الهبة؟وماهي موانعها؟ وما آثار الرجوع فيها؟.

 ومن أجل الإجابة عن الإشكالية المركزية و أسئلتها الفرعية سنبحث موضوعنا هذا ضمن محورين نتناول في الأول شروط الرجوع في الهبة وموانعها وفي الثانية آثار الرجوع.

أولا : شروط الرجوع في الهبة وموانعها.

لم يترك الفقه الإسلامي و لا المشرع المغربي حق الرجوع في الهبة مفتوحا على عواهنه، إنما قيده بشروط محددة وعدد موانع لا يجوز معها التعسف في استعمال هذا الحق.

و سنتناول الاعتصار أو الرجوع في الهبة ضمن هذا المحور من خلال نقطتين، نتناول في الأولى شروط الاعتصار ثم في الثانية موانع الرجوع في الهبة.

1 : شروط الاعتصار.

يشترط من أجل الرجوع في الهبة لدى الفقه المالكي أن يكون للأب و الأم وبلفظ صريح،[3] وذلك مصداقا لمجموعة من الأحاديث النبوية كقوله صلى الله عليه وسلم ""لا يحل لأحد أن يهب هبة، ثم يعود فيها إلا الوالد"[4]،وقد تظهر حكمة بليغة في اعتبار الحق يكون فقط للأبوين من أجل الاعتصار،وذلك للمكانة الخاصة و الرفيعة التي يحظى بها هذان الفردان في المجتمعات الإسلامية، وخاصة أن الابن يعتبر وريثا أصليا لمال أبويه فيجوز له حسب نظام نصيبه في الإرث باعتباره وارثا بالتعصيب، التصرف فيه بعد وفاتهما من دون حاجته استغلال طرق أخرى للاستفادة.

أما فيما يخص التقنينات العربية خاصة منها المشرع المصري و السوري و الأردني[5]،فإنها سارت في اتجاه ما سار فيه الفقه الحنفي من جواز الرجوع في الهبة ، وأكدت على إمكانية الاعتصار في حالة قبول الموهوب له الرجوع في الهبة. وقيدت تلك التقنينات هذه المطالبة في حالة بلوغها القضاء وذلك في حالة الرفض الإرادي الصادر عن الموهوب له، بثلاثة شروط تتجلى في:

-إخلال الموهوب له بالتزاماته تجاه الواهب أو أحد من أقاربه.

-في حالة ما إذا أصبح الواهب عاجزا عن توفير قوت يومه، أو عدم قدرته على الإنفاق على من تجوز نفقته عليهم.

-أن يرزق الواهب بعد الهبة بولد يبقى حيا إلى وقت الرجوع، أو أن يكون للواهب ولد حي ظنه الواهب ميتا وقت الهبة.

أما في ما يخص التقنين المغربي فإنه بعد أن كان يشترط الاعتصار فقط للأبوين، فإنه بعد صدور مدونة الحقوق العينية أضاف شرطا آخر حسب المادة 283 وهو :

-أن يصبح الواهب عاجزا عن الإنفاق على نفسه أو على من تلزمه نفقته.

وحسب المادة 284 يجب لصحة الاعتصار أن يشهد الواهب على ذلك وينص عليه في عقد الهبة بعد قبول الموهوب له بذلك.

ويضيف القضاء شرطا آخر يتجلى في عدم قدرة الأبوين على الرجوع في الهبة في حالة اشتراطهما ذلك في عقد الهبة،وهو ما أكده القرار الصادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 18/06/2008"إن عقد الهبة قد اشترط فيه الواهب عدم الرجوع في هبته،وهو شرط لازم له كما هو منصوص في الفقه الجاري به العمل[6]".

2 : موانع الاعتصار.

تتحدد الموانع التي توجب عدم الرجوع في الهبة ضمن الفقه المالكي في ثلاثة أصناف وهي الموانع الطارئة (مانع الموت ومرض الموت و توظيف الهبة في الزواج و وتداين الولد للهبة) وموانع الانتقال( هي إما انتقال تفويت أو انتقال تغيير) ثم مانع الافتقار[7].

أما التشريع المغربي فيحصر هذه الموانع في مدونة الحقوق العينية ضمن المادة 285 وقد عددتها في ثمانية موانع، نوجزها في الهبة التي تكون بين الزوجين أو زواج الموهوب له بعد الهبة ومن أجلها،كذلك في حالة وفاة الواهب أو الموهوب له قبل الاعتصار،أيضا مانع مرض الموت،أو تفويت الموهوب له للشيء الموهوب كاملا أو هلاكه إلا إذا كان جزئيا فيجوز الرجوع في الباقي،بالإضافة إلى تعامله مع الغير على أساس امتلاكه له،أو إجرائه لتغييرات مهمة تزيد من قيمته.

و يتضح من خلال المقارنة بين الموانع أن مدونة الحقوق العينية سايرت ما ذهب إليه الفقه المالكي إلى حد كبير وذلك نظرا لأن الفقه المالكي هو الذي كان يسري على عقد الهبة إلى حين صدور المدونة.

 وبذلك يمكن تقسيم الموانع الثمانية التي تم ذكرها ضمن المادة 285 إلى صنفين هما الموانع الطارئة و موانع الانتقال.

وتجدر الإشارة إلى أن بعض التقنينات العربية حاولت حصر تلك الموانع بشكل ملحوظ ومخالف تماما لم.ح.ع.،كما هو الشأن بالنسبة لمجلة الأحوال الشخصية التونسية ضمن الفصل 212 حيث جاء فيه " لا يجوز طلب الرجوع في الهبة إذا وجد مانع من الموانع الآتية:

أ- إذا حصل للشيء الموهوب زيادة متصلة موجبة لزيادة قيمته        
                                         ب- إذا فوت الموهوب له الشيء الموهوب، أما إذا اقتصر التفويت على بعض الموهوب جاز للواهب أن يرجع في الباقي.                                                                                                
              ج- إذا هلك الشيء الموهوب في يد الموهوب له سواء كان الهلاك بفعله أو بحادث أجنبي لابد له فيه أو بسبب الاستعمال، فإذا لم يهلك إلا بعض الشيء جاز الرجوع في الباقي.

ثانيا: آثار الرجوع في الهبة[8].

يتم التمييز حين دراسة الآثار المتعلقة بالاعتصار في الهبة، بين الآثار التي تترتب عن الرجوع فيما بين العاقدين (أولا) ثم الآثار المترتبة عن الرجوع في مواجهة الغير (ثانيا).

1 : آثار الرجوع في الهبة بين المتعاقدين

يعتبر الواهب و الموهوب له الطرفين الرئيسيين في عقد الهبة، فتسري الآثار عن عقد الهبة أو الرجوع فيها عنهما أولا وبدرجة كبيرة.

و الآثر الهام الذي يترتب عن الاعتصار في الهبة فيما بين الطرفين هو اعتبار الهبة كأن لم تكن أول الأمر بينهما، ما يجعل الطرفان يعودان إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد، سواء تم الرجوع عنها رضاء بين الطرفين أو قضاء، ما يجعل الموهوب له يلتزم برد الشيء الموهوب إلى الواهب على حالته وفي حالة تعيبه بعد اتفاق الطرفين على الاعتصار أو صدور حكم قضائي فإنه يتحمل تبعة هذا الهلاك،لكن إذا كان الشيء الموهوب مازال في حوزة الواهب فانه لا يلتزم بتسليمه.

أما فيما يخص ثمار الشيء الموهوب، فإنها تكون من نصيب الموهوب له قبل تمام الرجوع، وفي حالة الرجوع فإن القاعدة العامة التي يقررها الفصل 103 من قانون الالتزامات و العقود هي أن "الحائز عن حسن نية يتملك الثمار، ولا يلزم إلا برد ما يكون منها موجودا في تاريخ رفع الدعوى برد الشيء، وما يجنيه منها بعد ذلك. ...." وهذه القاعدة لا يمكن تطبيقها مادام النص الخاص يقيد النص العام فتكون له الأولوية في التطبيق، وهو ما يسري على المادة 287 من مدونة الحقوق العينية الذي تقول في فقرتها الثانية "لا يلتزم الموهوب له برد الثمار إلا من تاريخ الاتفاق أو من تاريخ الحكم النهائي في الدعوى".

كذلك تؤكد نفس المادة على أن من حق الموهوب له استرجاع النفقات الضرورية التي أنفقها على الملك الموهوب، أما النفقات النافعة أو الزينة فإنه لا يسترجع منها إلا ما زاد عن القيمة الحقيقية لها.

ويختم المشرع الفصل المتعلق بالهبة ضمن مدونة الحقوق العينية بالتأكيد على أن مصروفات الاعتصار واسترجاع الملك الموهوب يتحملها الواهب.

2 : الآثار المترتبة عن الاعتصار في مواجهة الغير.

إن الرجوع في الهبة ليس له أثر رجعي، بل يسري بأثر فوري على المستقبل، وهو ما يحصن حقوق الغير حسن النية الذي تعامل مع الموهوب له بعد امتلاكه للشيء الموهوب فيما يخص ذلك الشيء، فلا يسري الأثر الرجعي إلا من وقت تمام الاعتصار.

وهو الأمر نفسه المتعلق بموانع الاعتصار التي نصت عليه المادة 285 من مدونة الحقوق العينية في ما يخص موانع الإعتصار التي تخص الانتقال.

 
الخاتمة.  

يتضح  من خلال ما سبق ، أن الفقه الإسلامي خاصة منه المالكي و المشرع المغربي بالإضافة للتشريعات العربية المقارنة ، سمحت بالخروج عن الالتزام من طرف واحد المتعلق بالهبة الموجه لطرف آخر و الرجوع فيه لكن وفق حدود معينة تظهر إما بتوافق إرادة الأطراف أو القانون، فإنشاء عقد الهبة الذي زكاه المشرع المغربي بالحماية من خلال حثه حسب الفصل 274 من مدونة الحقوق العينية على ثوثيقه رسميا لدى موثق أو عدل، منح المشرع الخروج عنه، وإمكانية الرجوع في الهبة وذلك لضرورات يمكن أن تتطلبها ظروف الحياة وتقلباتها.

  لكن و رغم أن المشرع حاول من خلال مدونة الحقوق العينية الصادرة بتاريخ 24 نونبر 2011 تنظيم الرجوع في الهبة الواردة على العقارات ضمن الفصول من 283 إلى 289 ،إلا أنه يبقى تنظيما لم يحض بحلول لجميع الإشكالات التي يطرحها الاعتصار، لذا وجب إعادة النظر في التعريف الذي أعطاه للرجوع في الهبة ضمن المادة 283 من مدونة الحقوق العينية، بإضافة شروط تحدد بدقة كيفية الاعتصار،و سبل الحد منه واعتباره استثناء على الأصل الذي هو الالتزام بالعهد وعدم الإضرار بالمستفيد من الهبة ، مما سيساهم في احترام العلاقات فيما بين الأشخاص والاستمرار فيها بشكل سليم.

  كما يبدو أنه يمكن أن تختلف أحكام المحاكم في ما يخص الإعتصار، وقد تعاني قراراتها من اضطراب خاصة و أن نصوص الاعتصار لم ترد فيها ألفاظ الوجوب أو سريانها تحت طائلة البطلان، كما فعل المشرع الوطني في ما يخص الهبة في إطار المادة 274 من نفس المدونة ضمن فقرتها الثانية بالقول.

... يجب تحت طائلة البطلان أن يبرم عقد الهبة في محرر رسمي.

فمثل هذه الألفاظ من شأنها أن تساهم في توحيد عمل القضاء على المستوى الوطني و تبتعد عن كل ما من شأنه أن يطرح الخلاف فيما بين الأحكام والقرارات القضائية الصادرة عن المحاكم.

أيضا وجب أن تحدد الأعذار القانونية الواجبة من أجل الرجوع في الهبة بدقة، ضمن التشريع المنظم لحق الهبة على العقارات ، بالإضافة لإيجاد تقنين ملائم ومناسب ينظم الهبة في المنقولات ويحدد كيفية الرجوع فيها إن دعت الضرورة لذلك.

[1]  -الاية 1 من سورة المائدة.

[2]  عبد الرحمان بلعكيد.الهبة في المذهب و القانون.مطبعة النجاح الجديدة.الطبعة الاولى.1997. ص.313

[3]  -عبد الرحمان بلعكيد م.س . ص.314

[4] عبد الكريم شهبون.ةعقود التبرع في الفقه المالكي. مطبعة النجاح الجديدة .الدار البيضاء.2012.ص.198

[5] -المادة 500 و501 من القانون المدني المصري ، المادة 468 و469من القانون المدني السوري ، المادة 576و577 من القانون المدني الأردني.

[6]  قرار عدد 348 صادر عن المجلس الأعلى(محكمة النقض حاليا) بتاريخ 18/06/2008 ملف شرعي عدد 539/2/1/2007.

[7] للمزيد من الاطلاع.انظر.عبد الرحمان بلعكيد.الهبة في المذهب و القانون.م.س ص.328 الى 348.

[8] للاطلاع أكثر: حسن منصف.الرجوع في الهبة في القانون المغربي.مقال منشور بمجلة سلسلة الانظمة والمنازعات العقارية.منشورات مجلة الحقوق. عدد7 فبراير 2013 ص.339.

الجمعة، 2 يناير 2015

دراسة في القانون : الحجز التحفظي بمشروع قانون المسطرة المدنية


من خلال الاطلاع على مشروع قانون المسطرة المدنية، خاصة المقتضيات المتعلقة بالحجز التحفظي استوقفتنا مجموعة من الملاحظات ارتأينا عرضها وتناولها، مادام مشروع قانون المسطرة المدنية في طور الإعداد، وما دام محل نقاش وسيستمر النقاش بدون شك بشأنه أمام المؤسسة التشريعية، وهي ملاحظات تهم بالأساس المادتين 549 و 552 من المشروع. المادة 549 : يصدر الأمر المبني على الطلب بالحجز التحفظي عن رئيس المحكمة، لضمان أداء دين له ما يرجح جديته وتحققه ويحدد هذا الأمر، ولو على وجه التقريب مبلغ الدين الذي رخص الحجز بسببه ويبلغ وينفذ دون تأخير . يتعين على طالب الحجز رفع دعوى في الموضوع  داخل عشرة أيام  من تاريخ صدور الأمر بالحجز، وفي حالة عدم إدلاء طالب الحجز  بما يثبت قيامه بذلك داخل الأجل المذكور، يعتبر الحجز لاغيا ويشطب عليه تلقائيا .″
المادة 552: ″ إذا تعلق الحجز التحفظي بعقار محفظ  أو في طور التحفيظ، فإن الأمر الصادر به يوضع بالمحافظة العقارية لتقييده بسعي من المستفيد منه .
إذا تعلق الأمر بحجز تحفظي  على عقار غير العقارات المشار إليها  في الفقرة أعلاه  حدده المحضر ببيان مكان وجوده وحدوده ومساحته إن أمكن، مع الإشارة إلى كل المعلومات المفيدة وترسل نسخة من الأمر بالحجز والمحضر بواسطة المكلف بالتنفيذ إلى رئيس المحكمة الابتدائية،  قصد تقييده بسجل خاص موضوع رهن إشارة العموم ويقع الإشهار علاوة على ذلك لمدة خمسة عشر يوما  بتعليق الإعلان بالمحكمة وكذا بالقيادة و السوق المحلي  اللذين يوجد بدائرتهما العقار على نفقة الحاجز.″
أولا :الإشكالات التي تثيرها المادة 549
1_ تحديد مدة الحجز التحفظي 
لقد حدد مشروع قانون المسطرة المدنية أجل الحجز التحفظي في عشرة أيام من تاريخ صدوره، ويبدو واضحا من خلال هذا المقتضى، أن واضعي مشروع قانون المسطرة المدنية، حاولوا معالجة إشكالية هامة ترتبط بالحجز التحفظي، الذي لم تكن مدته محددة، بحيث يستمر الحجز لسنوات عديدة دون أن يبادر المستفيد منه إلى تقديم دعوى في الموضوع أو مواصلة إجراءات الحجز، وهو ما يشكل عائقا أمام تصرف المالك في ملكه مع ما يترتب على ذلك من آثار اقتصادية، تجعل رصيدا عقاريا مهما خارج الدورة الاقتصادية وخارج سوق الائتمان، لذلك فإن تحديد مدة الحجز التحفظي يبقى فعلا توجها سليما و محمودا و إن كان الأجل المقرر يبقى قصيرا جدا .
والملاحظة الثانية التي يمكننا إبداؤها هي أن واضعي مشروع قانون المسطرة المدنية تأثروا فعلا بفلسفة المشرع المعتمدة في ضبط و تقنين مؤسسة التقييد الاحتياطي  من خلال تحديد مدة صلاحية الحجز  التحفظي الذي يشكل وسيلة لحماية الحق الشخصي، وكذلك من خلال الطريقة التي يمكن من خلالها ضمان بقاء الحجز منتجا، لآثاره القانونية، إذ نجد واضعي المشروع علقوا بقاء الحجز على ضرورة تقديم دعوى في الموضوع داخل أجل عشرة أيام  تحت طائلة اعتباره لاغيا وقابلا للتشطيب عليه تلقائيا. 
ثم إن مشروع قانون المسطرة المدنية باستعماله عبارة التشطيب التلقائي فهو بدون شك يقصد التشطيب الذي يقوم به المحافظ  و الذي يهم  الحجز التحفظي المقيد بالرسم العقاري أو المودع بمطلب التحفيظ  و بالتالي فالمحافظ  و بمجرد مضي مدة عشرة أيام سيقوم بالتشطيب على الحجز التحفظي تلقائيا .
 إلى حدود الآن الأمور تبدو واضحة، لكن التساؤل المطروح هو ذاك الغموض الذي يلف مسطرة استمرار الحجز، وهو ما سنتناوله في النقطة الموالية.
2 - ضمان استمرار الحجز بتقديم دعوى في الموضوع  
 لقد ألزمت  المادة 549 من المشروع، طالب الحجز بتقديم دعوى في الموضوع  وفي حالة عدم إدلائه بما يثبت قيامه بذلك سيتم التشطيب عليه التساؤل المطروح أمام من سيتم الإدلاء بما يفيد تقديم دعوى في الموضوع، هل أمام رئيس المحكمة أم أمام المحافظ  الملزم بالتشطيب التلقائي؟. المادة  549  من المشروع سكتت عن الأمر في موضع يقتضي التوضيح رفعا للإشكال الأمر الذي يجعلنا أمام فرضين :
- الإدلاء بمقال الدعوى أمام رئيس المحكمة . 
إذا تبنينا هذا الحل، فإن أول مسألة تعترضنا هي عدم الانسجام بين الأجل الذي هو عشرة أيام و بين مسألة رفع دعوى في الموضوع داخل أجل عشرة أيام، بمعنى أن طالب الحجز بإمكانه تقديم الدعوى إلى غاية اليوم العاشر، وبعد ذلك يدلي لرئيس المحكمة بما يفيد تقديم هذه الدعوى أي أن إخبار رئيس المحكمة بما يفيد تقديم الدعوى سيكون في اليوم الموالي، وفي هذه الحالة، فإن المحافظ لن يكون لديه أي علم بتقديم هذه الدعوى، وأجل عشرة أيام قد مضى وسيقوم لا محالة بالتشطيب على الحجز التحفظي في أقرب فرصة تتاح له مادام المشرع سمح بإمكانية التشطيب التلقائي وذلك لتحيين الرسوم العقارية، وحتى إذا أغفل المحافظ ذلك، فإن المحجوز عليه، سيتقدم لا محالة بطلب التشطيب، لذلك فإن الإدلاء بما يفيد تقديم دعوى في الموضوع أمام رئيس المحكمة، ليس إجراء كافيا لضمان بقاء الحجز في ظل الصياغة الحالية للمادة 549 من المشروع.
ثم التساؤل الآخر المطروح، هل يكفي فقط الإدلاء بنسخة من المقال أمام رئيس المحكمة أم أن استمرار الحجز يستلزم استصدار أمر جديد بالإبقاء على الحجز إلى حين البت في دعوى الموضوع، أو ما يمكن تسميته  بتصحيح الحجز. وأعتقد أن إخبار رئيس المحكمة بما يفيد تقديم دعوى الموضوع ليس كافيا، لأن هناك متدخلا آخر أناط به المشرع مهمة التشطيب على الحجز بمجرد انصرام الأجل، وهو المحافظ العقاري  لذلك يبقى من الضروري استصدار أمر جديد قبل مضي أجل عشرة أيام وتقديمه أيضا للمحافظ قبل مضي هذه المدة، لكن الملاحظ هو أن سلوك هذه المسطرة لا يتناسب مع أجل عشرة أيام  الذي يعتبر أجلا قصيرا وغير كاف بحيث أن سلوك ثلاث مساطر، وهي استصدار أمر الحجز التحفظي ثم تقديم دعوى في الموضوع، واستصدار أمر جديد باستمرار الحجز داخل هذا الأجل يبقى أمرا صعبا .

دراسة في القانون : دور التواصل في إصلاح منظومة العدالة(1)

دراسة في القانون : دور التواصل في إصلاح منظومة العدالة(1)

 


إذا تأملنا في الموضوع، فإننا سنجد أن المعني بإصلاح العدالة هي منظومة بكامل حلقاتها، تتكون من عدة فاعلين كل حسب دوره في صناعة المنتوج القضائي، وهي ما يصطلح عليها عادة بمنظومة العدالة مفهوما أوسع يشمل كل الفاعلين داخل المجتمع أو المنظومة القضائية مفهوما يعنى به كل المتدخلين المباشرين في العملية القضائية.  لكن رغم الإجماع الذي يعرفه مطلب إصلاح العدالة، وسيادته على باقي المطالب المجتمعية الأخرى، لدرجة أنه أصبح لازمة خطب أعلى سلطة في البلد خلال العقدين الأخيرين، فإن الجهات المعنية بهذا الإصلاح لم تستطع لحد الآن بلورة خطة حقيقية ذات أسس علمية من شأنها رسم خريطة طريق جدية لتحقيق هذا المطلب. وهذا ما يدفع أي مهتم بالموضوع للتساؤل عن السبب الحقيقي الكامن وراء هذا التعثر الذي يحول دون انطلاق ورش حيوي من شأنه تحرير جميع المجالات الحيوية داخل المجتمع من قيود الفساد. 
إننا نعتقد أن السبب الرئيسي وراء هذا الإخفاق هو استئثار الحكومة ممثلة في وزارة العدل بموضوع الإصلاح، واختزال ذلك في تركيز الحديث عن مكون واحد من بين مختلف مكونات هذه المنظومة ألا وهو القضاة. وإن كان هذا المكون يمثل الفاعل الأساسي في قطاع العدالة، إلا أن أي حديث عن الإصلاح يجب أن يتناول المنظومة القضائية برمتها أي جميع الفاعلين في قطاع العدل. كما أننا نعتقد بأن سببا آخر لا يخلو أهمية عن سابقه، يكمن بدوره وراء إخفاق هذه الأخيرة - أي المنظومة القضائية - في تحقيق العدالة، وهو طبيعة العلاقة التي تحكم مكوناتها خاصة في بعدها المؤسساتي. إن مستوى العملية التواصلية القائمة داخل المنظومة القضائية سواء داخل كل مكون من مكوناتها أو بين بعضها البعض يبقى محددا جديرا بالبحث لمعرفة مدى تأثير ذلك على نجاح أو فشل أي محاولة لإصلاحها. فالتفكير والعمل الأحادي داخل أي مجموعة تحتاج لإخراج إنتاجها إلى تدخل كل وحداتها يتطلب إيجاد علاقة تواصل بناءة بين هذه الوحدات تستجيب للمعايير العلمية المطلوبة. 
إن تفكير كل واحد من مكونات المنظومة القضائية بشكل منفرد ومن زاويته المحدودة في موضوع الإصلاح، دون معرفة ما عند الآخر من معطيات وآراء ومقترحات لا يمكنه في النهاية أن يصيغ لنا خطة فعالة. فالمنظور الخاص لوزارة العدل حول الإصلاح المعد بعيدا عن رأي للقضاة وتصور المحامين، وتطلعات العدول والموثقين ومطالب المفوضين القضائيين والخبراء وكتاب الضبط والإداريين القضائيين، لا يمكنه في النهاية أن يوفر أرضية متماسكة لانطلاق مخطط مضبوط لتحقيق مخطط استراتيجي للإصلاح.
فما هي مستويات التواصل المطلوبة لنجاح أي مخطط لإصلاح منظومة العدالة ؟ 
يعرف التواصل بأنه: الاشتراك مع الآخرين في عملية تبادل وانتقال المعلومات.  ففعل « اتصل « يفيد الإخبار والإعلام والتخاطب.  وهو بذلك يعبر عن عملية انتقال من وضع فردي إلى وضع جماعي. والتواصل كما عرفه عالم الاجتماع الفرنسي جان كازنوف هو: نقل معلومة من مرسل إلى متلق عبر قناة اتصال . وهو يشترط الدوام والتداول في العلاقة بحيث تتم عملية النقل من الطرفين معا في اتجاه بعضهما البعض. مما وجب معه التمييز بين مفهومين، كثيرا ما يتم الخلط بينهما، وهما الاتصال والتواصل. فالأول يفيد القيام بعملية التعبير عن رسالة معينة من مرسل إلى متلق عبر آلية معينة، في حين يفيد الثاني تبادل الرسائل من طرف لآخر بشكل تطبعه الاستمرارية. 
ويشترط لتحقيق التواصل بشكل سليم أن تكون الرسالة واضحة، وأن لا يتم التشويش عليها، وأن يكون المتلقي مستعدا لتلقيها ومدركا لأهميتها. هذه التفاصيل تبرز بوضوح أهمية العملية التواصلية كمجال للتفاهم والتحاور من خلال تبادل الأفكار والآراء والمعلومات. إذ يمكن لفعل التواصل أن يخضع لعملية التحريف والتمويه لإجبار المتلقي على تقبل خطاب يتنافى مع الحقيقة. وهنا تتحول العملية من تواصل إلى سلطة. والسلطة يكون خطابها بعيدا عن التواصل وإنما، كما ذكر ميشيل فوكو هو خطاب يرمي إلى تحقيق الهيمنة والسيطرة. وهو ما دفع دومينيك ولتون إلى الاستنتاج الآتي: إن عمليات التواصل لم تبلغ التراتبيات القائمة بين الأفراد والجماعات، لأنها - أي التراتبيات - مقترنة على الدوام بممارسة السلطة  .
ويعتبر الباحث في علم التواصل جون ديوي التواصل كأداة تدقيق اجتماعي فهو أساس كل علاقة إنسانية تقوم بإنتاج وتحقيق مكاسب اجتماعية، وتربط في ما بين الأفراد وتفسح المجال أمام الحياة الجماعية.
فالتواصل هو نوع من التفاعل الهادئ إلى خلق تفاهم بين مجموعة من الذوات داخل مجال عمومي. وقد استعمل جيرجان هابرماس في مؤلفه:  «أخلاق وتواصل»  عدة مفاهيم  لإبراز خصوصية هذا التفاعل مثل: البين ذاتية، الاعتراف المتبادل، المبررات العقلانية، الصلاحية المعيارية، تسوية الخلاف، العقلانية التواصلية، أخلاقية النقاش ... إلخ. ويقول هابرماس: «إن التفاعلات التي يتفق المشاركون من خلالها على تنسيق خططهم في العمل بشكل متعاون، هي التي أدعوها بالعمليات التواصلية». وهنا تبرز أهمية ما يعرف بالنقاش العمومي الذي يقتضي وجود إطار أخلاقي وآخر عقلاني علمي، حيث ترتبط العقلانية التواصلية بالممارسات المتمثلة في النقاش الذي يقوم بين مختلف مكونات المجتمع ضمن ثقافة ديمقراطية مشتركة تضمن تعدد المشاركين واحترام القواعد العلمية لاتخاذ القرار. وبالتالي يصبح الفضاء العمومي وعاء ديمقراطيا يجتمع فيه الفاعلون والجمهور لبلورة رأي عام، انطلاقا من إرادات مستقلة غير مهيمن عليها، ومقتنعة بأهمية النقاش وتداول الأفكار والمشورة والحجاج العقلاني، وهكذا تتحقق الفعالية التواصلية التي ترمي إلى وضع حد للتراتبية بين الأطراف ومنطق الهيمنة. وقد حدد الباحثون رهانات عديدة للتواصل اختزلها المفكر الفرنسي أليكس موشيلي في خمسة رهانات، هي: الرهان الإخباري، رهان التموقع أمام الآخر، رهان التأثير، الرهان العلائقي، الرهان المعياري .

بقلـم :   خليل الإدريسي  
محام وباحث أكاديمي